عادل الصويري
ضمن أعمال الدورة الثانية من ملتقى تونس للرواية العربية، كانت هناك محاور عن الروايات التي تناولت أصحاب البشرة السوداء، وقد صدر كتاب مهم عن بيت الرواية في مدينة الثقافة بالعاصمة التونسية؛ تناول الأوراق النقدية والبحثية التي اهتمت بطرح الاستفهامات المتعلقة بالرواية التي تناولت معاناة الإنسان الأسود، وخصوصاً تلك التي كتبها روائيون سود، أخذوا على عاتقهم تعرية الصمت التاريخي الطويل، والممارسات العنصرية التي حرمت هذه الشريحة الإنسانية من الكلام، وإيصال صوتها الاحتجاجي الرافض لكل مظاهر العبودية، قبل أن تبرز الرواية بوصفها بريداً إنسانيّاً أوصلَ ذلك الصوت المقموع؛ لتكون ملحمةً تقاومُ الإهمال، ومحكمةً يُحاكم بها الروائيون السود تلك الممارسات العنصرية اللاإنسانية، ومنها روايات حازت جائزة نوبل للآداب، فضلاً عن روايات عربية اقتحمت هذه القضية بأساليب سردية متنوعة، وهو ما رآه الروائي والمترجم التونسي شكري المبخوت جديراً بالبحث والدراسة؛ لأنَّ ما كتبه العربُ في هذه القضية يختلف عن كتابات الأميركيين في كتاباتهم المناهضة للعبودية، أو تلك التي صدرت أيّام مرحلة التحرر الوطني في إفريقيا، وهي كتابات اتسمت بالثورية.
ولا يعتقد شكري المبخوت أنَّ دخول الكُتّاب من ذوي البشرة السوداء إلى هذا المجال سبب في التطور الفني للرواية، إذ يقول: “لا معنى للون البشرة في تناول القضايا الكبرى”، بل يرجع هذا التطور إلى ارتباطه بالوعي المستجد في مقاومة أشكال العنصرية والعبودية، والوعي الأكثر خصوصيةً بدور الرواية في تغذية الفكر الاحتجاجي ضد الممارسات التي تعرض لها أصحاب البشرة السوداء. كما تحدث عن اتجاهين في الروايات العربية بهذا الشأن: التوجه الأول تمثل بالرواية التاريخية التي استعادت معاناة السود في سياق مجتمعي قديم ومنها روايات (وراء السراب قليلاً) لإبراهيم الدرغوثي، و(زرائب العبيد) لنجوى بن شتوان، و(فستق عبيد) و(بابنوس) لسميحة خريس، و(كوكو سودان كباشي) لسلوى بكر، و(ثمن الملح) لخالد البسّام، و(كتيبة سوداء) لمحمد المنسي قنديل. وأشار إلى الفضاءات العربية التي دارت عليها الحكايات والمشاهد سواء في السودان، أو خارجها في ليبيا وتونس.
أمّا التوجه الثاني الذي ناقشه شكري المبخوت، فهو الآليات الفنية السردية، وأسلوب تناول صراع ذوي البشرة السوداء مع تاريخهم المثقل بالألم والخوف، وقد وصف روايات هذا الاتجاه بـ”روايات مواجهة العنصرية والاستعمار في آن واحد”. روايات ونصوص كتبت تراجيديا السود في أماكنهم القلقة بين مفترق الثقافات، والتداخل الديني والاجتماعي والثقافي، وأكثرها تمثلاً لهذا الاتجاه رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح الصادرة سنة 1966. وروايات أخرى اقتربت من هذه التراجيديا، يراها المبخوت “تختلف عمقاً وعنايةً بالوجه العنصري” كما في (جمر وماء) لآمنة الرميلي، و(الغوريلا) لكمال الرياحي، و(باي العربان) لجمال الجلاصي، و(إفريقستان) لعبد الجبار العش، و(كاماراد) للصدّيق حاج أحمد، فضلاً عن (باغندا) لشكري المبخوت نفسه.
محور العنصرية
بعد محور العبودية في الرواية؛ ضم الكتاب في القسم الثاني محور العنصرية بعدة دراسات ومباحث، ومنها قراءات عن الشخصيات السوداء، وطريقة (آمنة الرملي) في تدوينها، والتي تساءلت في بداية مبحثها عن نصيب الذاكرة الأدبية العربية من اللون الأسود: “هل يترك اللون الأسود- سواء خص الأديب أو أدبه- أثراً مخصوصاً في النص الأدبي العربي؟”
ثم عادت إلى صورة الفتى الجاهلي في الشعر العربي متمثلةً بعنترة بن شداد، إذ رأت أنه حقق بشعره ما يفوق المشهور من الشعر الجاهلي؛ لأنَّ المتلقّي تلقّى فضلاً عن شاعريته لونَه الأسودَ. هذا اللون شارك في إنتاج المعنى والدلالة والأثر بقوله:
وما عابَ الزمانُ عليَّ لَوْني
ولا حطَّ السوادُ رفيعَ قَدْري
أمّا الرواية، فقد أخذت خطابها من اللون الأسود للشخصيات وأبطال الحكايات، واستمدّت سرديتها وتأثيرها من هذا اللون مستشهدةً بشخصية (مصطفى سعيد) في رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) والتي أحدثت الأثر الكبير داخل الرواية وخارجها، إذ ترى آمنة الرملي أنَّ هذه الشخصية جعلت اللون وجهاً للحضارة، وشرطاً للإنسانية، ومُحرِّكاً للتاريخ، ووقوداً للصراع، في مشاهد مع حبيبته البيضاء (جين مورس).
ونوَّهت كذلك بشخصية (برق الليل) في رواية البشير خريّف التي حملت الشخصية كعنوان لها، و”سيد فواعلها السردية” صاحب الخفة في الرقص والحركات، والمقالب، وقصة الحب التي عاشها بألم، وقد اشتغل الروائي على لونه الأسود لإبراز وجه المأساة الحقيقي.
وبعد هاتين الشخصيتين؛ تتحدث آمنة الرملي عن شخصية (جاك) في روايتها (جمر وماء) الصادرة سنة 2003. وجاك هذا فرنسي من أصل إفريقي يقع في عشق فتاة تونسية (آمال). هذا الحب تقول الروائية إنه ولّدَ أهم أحداث الرواية، رغم أنها قامت على ثيمة العنصرية والكراهية المجتمعية للمهاجرين.
ومن جهة فنية، تشرح الروائية طريقة اشتغالها على شخصية (جاك) في تقديمها للقارئ من زاويتين: الأولى زاوية النظرة الاجتماعية التونسية لذوي البشرة السوداء سواء كانوا تونسيين أو غير تونسيين. أما الزاوية الثانية فهي زاوية وجهة نظر شخصية للروائية الرافضة لكل الممارسات العنصرية على الصعيد اللوني، وهو الرفض الذي حمّلته لشخصية (آمال) التي كانت تكتب المقالات ضد عنصرية الغرب تجاه السود.