عدنان حسين أحمد
نظّمت جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في بريطانيا معرضا لـ 18 فنانًا تشكيليًا انضوى تحت عنوان "سرد تشكيلي". وقد ضمّ المعرض 40 عملًا فنيًا جمع بين اللوحة والمنحوتة البرونزية والمعدنية والخشبية.
احتفى القائمون على المعرض بثلاثة فنانين كبار، هم د.علاء بشير، وهاشم سمرجي، وفيصل لعيبي، وعرضوا لهم خمس لوحات قد لا نتحدث عنها جميعًا حيث قدّم د.علاء بشير لوحة "رحلة في الوهم" ومع أنّ هذه اللوحة تشخيصية لكنها مرصعّة بالرموز الغامضة، فالوجه الأنثوي الأسمر الذي يميل إلى لون القهوة تتواجد فيه ثلاث عيون تشير إلى ثلاث مراحل وهي الوجود في الرحم، والوجود في الحياة، والوجود في الموت أو ما بعد الحياة. أما التفاحة التي وضعها في مؤخرة رأس المرأة فهي تشير إلى الحوار القائم بين الغريزة والغواية، والإنسان يعيش هذا الصراع القائم بينهما، وهي معادلة صعبة جدًا ولا يمكن التوفيق بينهما بسهولة؟
فيصل لعيبي المعروف بغنى تجربته الفنية وعمقها وجماليتها اشترك بعملين فنيين يحملان اسم "مأساة إنسانية" 1و2 وهما يدوران حول التراجيديا البشرية وعذابات الإنسان. وقد رسمهما بطريقة تثير الفزع حقًا ولا يمكن أن يستوعبهما المتلقي من دون الوقوف أمامهما مباشرة وتخيّل بشاعة الإنسان حينما يتعرض إلى الإِحن والمِحن التي تأخذ من الكائن البشري مأخذًا كبيرًا. لقد تشوّهت ملامح الوجه ولم يعد بإمكان المُشاهد أن يتأمل هذه الوجوه الممسوخة التي فقدت ملامحها الإنسانية كليًا.
كما يحتفي المعرض بلوحة واحدة للفنان هاشم سمرجي، الذي درس الغرافيك بلشبونة في البرتغال وعاد إلى العراق ليعمل في أروقة وزارة الثقافة والإعلام قبل أن ينتقل إلى مجلة "آفاق عربية" ثم يغادر العراق عام 1981 ويستقر بلندن نهائيًا. أما لوحته التي تحمل عنوان "تكوين" فهي تُذكِّر بلوحات الفنان الهولندي بيت موندريان لكنها لا تُحيل إليه كليًا.
يمتح الفنان باسم مهدي من موروث الحضارات العراقية القديمة، بل إن لوحته الجديدة التي تحمل عنوان "هو الذي رأي كل شيء" مستوحاة من "ملحمة كلكامش" الشهيرة. وهذه اللوحة هي واحدة من سلسلة أعمال تخص الإنسان العراقي تحديدًا، وخاصة الإنسان المُهاجر، سواء داخل العراق أم خارجه. تعكس اللوحة ظاهرة التصحّر التي تبدو واضحة في الأرض المتشققة، ولعلها تمتد إلى التصحّر الفكري والثقافي. من يتأمل ساقيّ الشخص الوحيد في اللوحة يرى أنهما يختلفان عن بعضهما بعضًا، فواحدة تنتهي بأظلاف ثور والأخرى تُحيل إلى حركة المُحارب. الرجل يحمل سلّة لها دلالات متعددة من بينها الهيبة والأبّهة. كما يوشّي الحرف السومري قفا اليد والسلّة. يأخذ رأس الرجل شكل القوس. أمّا الزورق فيتكون من مقطعين يحمل أحدهما رأس تمثال
قديم.
يمكن القول باطمئنان كبير بأنّ ثامر الخفاجي هو فنان من "نسيج وحده" وقد صنع له بصمة خاصة، خلال تجربته الفنية التي تمتد منذ دراسته في معهد الفنون الجميلة ببغداد في أواخر ستينات القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر. المعروف عن طبيعة أعماله الفنية المنفذة على الكانفاس أو الخزفية منها أنها لا تُذكِّر بأي فنان آخر وهي منفّذة بأسلوب عراقي أو شرقي في أبعد الأحوال وليست له علاقة بمدارس الفن الأوروبي على الإطلاق، بل إنه يدعو الفنانين العراقيين لأن يبتعدوا كليًا الفن الأوروبي وينطلقوا من بيئاتهم المحلية المتنوعة في العراق. ولوحة "ذكريات مدينة في الليل" تعبّر عن البيئة البغدادية وأزقتها الضيّقة والهادئة مساءً. كما يستذكر من خلال هذه اللوحة أضوية البيوت وشبابيكها وأبوابها، ولأن المنازل متلاصقة فلا غرابة أن يسمع الجيران أصوات بعضهم بعضا. وثمة امرأة تحدّق بوجه كابٍ وحزين لأنها تستعيد ذكرياتها في المدينة التي فارقتها، لكنها لم تفلت من شريط الذاكرة بعد. أمّا الصحن الخزفي فيحتوي على رموز آشورية من حضارة وادي الرافدين. وفي الختام هو يدعو الفنانين العراقيين لأن يرسموا لعامة لناس وليس
للنخبة.
اشتركت الفنانة سلمى الخوري بعملين فنيين جميلين حقًا يجمعان بين التشخيص والتعبيرية. ولوحة "زورق الموت" لا تحتاج إلى شرح أو توضيح، فالوجوه متعبة وحزينة وهم يركبون الأهوال ويتجهون صوب رحلة مجهولة لا يعرفون نهايتها. تتميز خطوط الفنانة سلمى الخوري برهافتها ودقتها وجمالها واستنطاقها لمشاعر الشخصيات التي ترسمها، أمّا اللوحة الثانية التي تحمل اسم "نحن نتطلع إلى وجودنا" ففيها الكثير من الأمل كما أن خلفية هذا العمل بالذات تنطوي على دراسة لونية دقيقة ومحسوبة. جدير ذكره أنّ هناك 12 فنانًا شاركوا وهم كلا من "علاء جمعة، علاء السريح، علي الموسوي، لينا العجيلي، مهدي الشمّري، مريوان جلال، محمد الدعمي، رائد هوبي، رائد محمد، صادق طعمة، سعدي داوود، وزينب الجواري".