سامر المشعل
يقول الكاتب والشاعر الفرنسي لانس: "علموا الناس كيف يستمعون إلى الموسيقى، حينئذ لن نحتاج إلى السجون". هذه المقولة تدلنا على عمق تأثير الموسيقى في حياة الفرد وبالتالي تسهم في طريقة تفكير الناس وتوجهات المجتمع.
وقد أجمع الكثير من الفلاسفة والمفكرين على أهمية الموسيقى، ومنهم أرسطو وأفلاطون، إذ أجمعوا أن الموسيقى وسيلة فعالة لتهذيب النفوس وإثراء الأخلاق داخل المجتمع، وصنفها أفلاطون بأنها من أرفع الفنون وأرقاها، نظراً لما لها من تأثير في النفس وسلوك الإنسان.
وكشفت الأبحاث الحديثة التي أجريت في الولايات المتحدة الأميركية، على مجموعة من الأطفال الحديثي الولادة، من خلال إسماع عينة منهم موسيقى كلاسيك هادئة وبالتحديد موسيقى للموسيقار موزارت.
وبالمقابل إسماع عينة أخرى، موسيقى صاخبة، ومراقبة سلوك العينتين حتى أوصلوهم إلى مرحلة البلوغ.
أن الفريق الأول الذي سمع موسيقى كلاسيك، أكثر ذكاء وتفوقاً في الدراسة، واستطاعوا أن يصلوا إلى مراحل دراسية عليا، ويمتازون بهدوء الطبع وليس الانفعال ويميلون إلى الفنون الجميلة، ومحبون للسلام وغير عدوانيين.
على العكس من الفريق الآخر، الذي استمع إلى الموسيقى الصاخبة، فهم أقل ذكاء وأغلبهم لم يصل إلى مراحل دراسية عليا، وهم انفعاليون ويميلون إلى العنف.
وما أحوج مجتمعاتنا العربية الآن إلى السلام ونبذ العنف، وقد أثبتت التجارب أن للموسيقى قدرة سحرية على التأثير في النفوس وإشاعة روح المحبة والسلام، وفيها الحل والبديل الموضوعي للعنف الذي أخذ يضرب اطنابه، بعدما استفحلت النزعة الوحشية لبني البشر وظهرت الجماعات المتطرفة والأفكار الطائفية التي تفرض إرادتها بحد السيف وقطع الرؤوس.
البحوث الحديثة تتوافق مع مقولة "لانس"، بأننا لا نحتاج إلى السجون، إذا علمنا الناس كيف يستمعون إلى الموسيقى، لأن الموسيقى لغة المشاعر والأحاسيس الإنسانية التي تحفز وتشحذ نحو الخير والفضيلة وبإمكانها أن تغرس الحب في نفوس الناس نحو المجتمع والوطن والحياة.
وعلى هذا الأساس نجد أن أوروبا والكثير من البلدان المتقدمة أدركت أهمية الموسيقى في التربية ووضعت من أولوياتها تدريس الموسيقى ضمن المنهاج التربوي في المدارس، ونجد أن الطالب الذي يتخرج من المدرسة، لا بد أن يعزف على آلة موسيقية واحدة على أقل تقدير، هذا إضافة إلى أن هناك أيضاً المكتبة في المدرسة والحي والمدينة والبيت. فالكتاب والموسيقى يغذيان الروافد النفسية والفكرية والروحية لدى الطفل، ويسهمان في تحرره من رواسب التخلف والبلادة ويمنحانه الثقافة ويعززان في داخله الاستعدادات نحو الحب والحياة والجمال والسلام الداخلي.
وعلى حد رأي "بابلو نيرودا": "يموت ببطء من لا يسافر، من لا يقرأ، من لا يسمع الموسيقى"، لأن الموسيقى والثقافة تمنحان الإنسان التجدد بالفكر والأمل، وتنميان الذوق بالجمال والمشاعر
الإنسانية.