سهى الطائي
هكذا بدأت المسرحية:
“هل… نحن أحياء؟
هل نحن أموات؟
هل نحن بشر؟
هل نحن حيوانات؟
هل نحن .... ون ؟"
بافتتاحية مربكة وغامضة، استطاعت مسرحية “الجدار” للمخرج سنان العزواي أن تأخذنا في رحلة غنية بالألم، مليئة بالتساؤلات المربكة التي تكشف عن واقع مؤلم. في لحظة ختام العرض، خرج الجمهور مشحونًا بكم هائل من التناقضات: إحساس عميق بالسلبية تجاه الواقع المظلم الذي عُرض أمامهم، وفي الوقت ذاته، شعور غريب بالأمل المستمد من قوة الفن الذي يواجه الحقيقة بكل قبحها.
إن القضايا الشائكة والمعاناة مخفية؛
تجسدت في المسرحية معاناة خفية وأسرار عائلية وأوجاع طفولية، حملت في طياتها انعكاسًا صادقًا لواقع مجتمعي مزرٍ. بجرأة لافتة، قدم النص مشاهد مؤلمة تعكس قضايا مثل التعاطي، الاغتصاب، الإنجاب غير الشرعي، زنا المحارم، وانتشار التخنث. لم يكن الهدف إثارة الجدل بحد ذاته، بل تسليط الضوء على بشاعة هذه الممارسات وما تؤول إليه من نهايات مأساوية، وكأن العمل يدعو الجمهور لمواجهة هذه الحقيقة بدلاً من الهروب منها.
النصوص كانت وجع متجسد في الكلمات؛
تميزت النصوص الحوارية للمسرحية بعمق إنساني، إذ حملت بين طياتها كلمات موجعة تمس الوجدان. وبينما كانت اللغة جريئة لدرجة قد يراها البعض صادمة أو مبتذلة، فإنها لم تكن بلا هدف؛ فكل كلمة جاءت لتؤكد بشاعة الواقع وتضع المشاهد أمام مرآة قاسية لا مجال للهروب منها.
أما الشخصيات فهي تجسيد للألم والوجع؛
في عالم المسرحية، ظهرت الشخصيات وكأنها انعكاس لتدهور القيم المجتمعية. الشخصيات الجوكرية كانت أبرز ملامح هذا الانحطاط، وكأنها تجسد حالة من الفوضى والتمرد على كل القواعد. إلى جانبها، برزت شخصيات صامتة، لا ترى ولا تسمع ولا تنطق، لكنها تحمل قلوبًا مجروحة. هذه الشخصيات كانت التعبير الأبلغ عن أولئك الذين سحقهم الواقع، أفقدهم الظروف أبسط حقوقهم في الإنسانية، لكنهم ظلوا يحملون ألمهم في صمت.
وقد كانت رسالة المسرحية: هل نحن أحياء أم أموات؟
مع نهاية المسرحية، يقف المشاهد أمام سؤال وجودي عميق: هل ما نراه حقيقي؟ هل نحن أحياء نشاهد هذا الانهيار المجتمعي؟ أم أموات أحياء أغلقنا أعيننا وصممنا آذاننا لنتمكن من البقاء؟ هنا، يضرب الفن رأسه بجدار الحقيقة، ليوقظ الجمهور من سباتهم، ويدفعهم إلى التفكير في دورهم في مواجهة هذا الوجع.
ففي النقد الموضوعي يظهر لنا أثراً إيجابياً؛
رغم التحفظ على استخدام بعض الكلمات الجريئة في النص، إلا أن إيجابيات العمل غلبت سلبياته. فالمسرحية نجحت في تقديم واقع مأساوي دون تجميل، وواجهت قضايا مسكوتًا عنها بجرأة تنم عن رغبة حقيقية في إحداث تغيير.
“الجدار” ليس مجرد عمل فني؛ بل هو صرخة في وجه اللامبالاة، ودعوة للتفكير في الواقع الذي نعيشه. شكراً للمخرج سنان العزواي الذي حمل على عاتقه هذه الرسالة، ونجح في إيصالها بكل صدق، رغم مرارتها.