الجيروسكوفوبيا .. في السينما الهوليووديَّة

ثقافة 2024/12/16
...

 أشواق النعيمي


 يعد رهاب الشيخوخة مادة خصبة للأفلام السينمائية التي تربط الصراع بين الشباب والشيخوخة بالفنتازيا والخيال العلمي، كما أن طموح الإنسان في الحصول على الجمال والشباب الدائم، دفع هوليوود إلى إنتاج عشرات الأفلام، التي كررت الثيمة ذاتها بأفكار مبتكرة وأساليب متنوعة، استمدت مضمونها من عالم الوهم واللاواقع، كالسحر والجنيات والكائنات الفضائية وغيرها، مع مرور الزمن، أخذ هذا النوع من الأفلام يتراجع أمام أفلام تصدت للموضوع من منظور أكثر واقعية واقناعاً، بارتكازها على العلوم والتجارب الطبية والمختبرية، ولعل أبرزها فيلم "انسلاخ" (   shedding  )الذي أخرجه تارسيم سينغ، وقام ببطولته ريان رينولدز وناتالي مارتينيز، يعالج الفيلم إشكالية الشيخوخة واقتراب الجسد من الموت بنقل عقل المحتضر إلى جسد شاب متبرع في عملية طبية تجريبية تدعى انسلاخ .  وفيلم الكوميديا السوداء( Death Becomes Her) إخراج روبرت زيميكس وبطولة ميريل ستريب، وبروس ويليس في دور الطبيب ايرفينغ زيغلر الذي يبيع أكسير الخلود لامرأتين تتنافسان فيما بينهما على الاحتفاظ بالشباب الأبدي .

يوظف فيلم( The Substance ) أو المادة الفكرة ذاتها بأسلوب مختلف، يتطرق إلى فوبيا الشيخوخة والهوس بالعمليات التجميلية في إطار درامي يجمع بين المشاهد الدموية البشعة واللقطات الكوميدية، وهو من إخراج كورالي فارغيت وبطولة ديمي مور بدور اليزابيث سباركل نجمة برنامج اللياقة البدنية، على الرغم من احتفاظ اليزابيث الخمسينية بقوام وجمال آخاذ، يقرر هارفي مدير القناة استبدالها بأخرى أكثر فتوة وجمالاً لإرضاء المستثمرين ولاستقطاب عدد أكبر من المتابعين . 

تشعر اليزابيث بالصدمة والخذلان بعد سنوات طويلة من المجد والشهرة رافضة فكرة التقاعد الإجباري، وفي خضم الأحداث يتاح لها دواء سري ينتج بالانشطار الخلوي نسخة شابة من الجسد الأصل "المصفوفة " تمتلك الجسد والملامح ذاتها لكن بمواصفات جمالية عالية وأفكار جريئة مندفعة، تشترط التقنية الدوائية التبادل الزمني "المتناصف" بين اليزابيث ونسختها "سو " التي لعبت دورها مارغريت كوالي، إذ يتسبب الإخلال بالتوقيت الزمني بتشوهات جسدية وشيخوخة مبكرة لجسد اليزابيث يستحيل معالجتها، تزداد حدة الشيخوخة كلما طال وقت " سو" التي أخذت مكانها في البرنامج وبدأ نجمها يتألق سريعاً، تطمع سو بالبقاء لتحقيق آمالها في الشهرة على حساب الجسد الأصل، لتظهر اليزابيث بصورة ممسوخة ومطاردة من نسختها. الصراع الدامي من أجل البقاء ثيمة مشتركة مع فيلم  (Death Become Her ) إذ يؤدي الصراع الدموي في النهاية إلى ارتداد مفعول الدواء من الجمال إلى البشاعة، ومن الخلود إلى الموت، وهو بذلك يتشارك مع فكرة فيلم(shedding) في انسلاخ الخلية الهرمة عن أخرى أجمل وأصغر سناً .

يستهل فيلم "المادة" ببناء رخامة أرضية بشكل نجمة تحمل اسم اليزابيث سباركل الممثلة والراقصة الاستعراضية الشهيرة ونجمة البرنامج التلفزيوني الموجه للمرأة "اشرقي بحياتك" في المكان المخصص لمرور نجوم هوليوود، تزدهي النجمة بالمعجبين ثم تُظهر الكاميرا بشكل سريع مرور الفصول عليها ممثلة بورق الخريف والمطر ونثار الثلج ثم عربات الحمالين دلالة على فقدان قيمتها، لتتحول بعدها إلى رخامة باهتة ومتآكلة إشارة إلى الخفوت التدريجي لنجم اليزابيث وفقدان هالة الإبهار التي أحاطت بها منذ زمن طويل، وتنتهي أسطورة حياتها في ختام الفيلم فوق النجمة الرخامية، في مشهد يوجه عدسة الكاميرا مع موسيقى تأثيرية تجاه النجمة والنخيل المحيط بها لنقل رسالة مفادها أن لكل بداية مهما طال وقتها نهاية.

تعالج قصة الفيلم الصراع السيكولوجي بين الأنا والهو أو بين الذات الواعية التي على الرغم من إدراكها تجازف انتصاراً لكرامتها، والذات اللاواعية التي تتصرف من وحي رغباتها دون التفكير بالعواقب. ومخرجات ذلك الصراع من عدم تقبل الذات التي لا تشبه الصورة المرجوة، وهو صراع قد تخوضه أي امرأة في مرحلة من مراحل حياتها. وينتقد في الوقت نفسه اندفاع المرأة نحو المنتجات التجميلية من عقاقير وعمليات جراحية قد تكلفها حياتها وهي تحاول مقاومة التغيير الزمني الطبيعي. 

ينتمي الفيلم إلى صنف أفلام الرعب، لتضمنه مشاهد دموية بدءاً من لقطة خروج النسخة الفنتازي من ظهر "المصفوفة " وتشوهها وقتلها بشكل دموي على يد النسخة، انتهاء بالمشاهد الأخيرة التي تحولت إلى كرنفال مفتوح للدماء والصراخ والأشلاء المتناثرة والسوائل المتطايرة. الرعب في الفيلم كان ذا وجهين دموي ونفسي، لأنه يركز على صراع الذات حد القتل، وبشاعة تهاوي الجسد وانشطاراته التي تحيل إلى أسلوب أفلام الزومبي. قد تكون المبالغة في تلك المشاهد واحدة من أسباب الجدال الذي طال الفيلم بعد فوزه بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة.