كتب رئيس التحرير:
اكتسبت الدبلوماسيَّة العراقيَّة خبرةً مضاعفة في احتواء الأزمات. فمنذ اشتعال حرائق أوّل عدوانٍ للكيان الصهيونيِّ على غزّة صار واضحاً أنَّ ارتدادات الإبادة الجماعيَّة لنْ تتوقف عند حدود فلسطين، ولا سيما مع وجود دعمٍ غربيّ غير مسبوقٍ ومع الهستيريا التي أصابتْ قادة الكيان وجعلتهم يوزّعون حقدهم في كلِّ الاتجاهات. وبالفعل سرعان ما امتدّتْ يد العدوان إلى لبنان ما جعل المنطقة بل العالم كلّه في حالة إنذارٍ قصوى.
العراق في قلب هذه الأزمات بسبب أقدارٍ جغرافيَّةٍ وتاريخيَّةٍ وعقائديَّة كثيرة. والعمل على جعل العراق بمنأى عن آثارها يتطلّب حنكة ودهاءً كبيرَيْنِ يكفلان تجنيب العراق وشعبه مغامراتٍ غير محسوبةٍ كما يستوفيان شروط التضامن الأخويِّ والإنسانيِّ مع الضحايا في فلسطين ولبنان. في توازنٍ كهذا كانت الدبلوماسيَّة العراقيَّة تشقّ طريقها ببطءٍ لكنْ بثقةٍ كبيرةٍ في أرض ملأى بالفخاخ من كلِّ نوع.
الخبرة التي اكتسبها الدبلوماسيّ العراقيّ في التعاطي مع أزمة غزّة وبيروت، مكّنتْه من النجاح في التعامل مع الأزمة الجديدة في سوريا.
كان الدور المحوريّ للعراق واضحاً منذ الأيّام الأولى للأزمة، وظهر أنَّ سياسة احتواء الأزمات التي انتهجتْها حكومة السودانيّ هي الطريقة الكفيلة بتجنّب الرضوخ لإملاءات الدول المتنفذة مع محاولة الوصول مع دول المنطقة إلى قواسم مشتركةٍ وثوابت لبحث ملفٍّ شائكٍ كالملفِّ السوريِّ.
في لقاء السوداني مع الملك الأردنيِّ كما في مشاركة العراق في اجتماع العقبة، كان الجهد العراقيّ يتركّز على منع تحوّل أزمة سوريا إلى معضلٍ إقليميّ أولاً وعلى إيجاد حلولٍ تكفل بقاء سوريا دولة واحدةً مستقلة.