صلاح السيلاوي
صدر للشاعرة والناقدة الدكتورة سليمة سلطان نور كتاب نقدي جديد عن دار الورشة الثقافية في بغداد بعنوان (تَمَظْهُرات الكرونوتوب في مجموعة مَا يُفسّرُهُ البياض للشاعر سلام البناي).
وقد أشارت نور في كتابها إلى تناولها لنصوص هذه المجموعة بوصفها مشروع قراءة مفتوح أمام المتلقي، والناقد بوصفه قارئاً، لافتة إلى لجوء البناي الى ذاكرته لاستحضار شخوصه وكأنَّ الذاكرة المهددة بالنسيان تلوذ بالكتابة لتنجو بذاتها وبحقها في الوجود والواقع، مؤكدة أنّ الذاكرة تلعب دورا بالغ الخطورة في إبداعه باعتبارها الكشف الحيوي عن الماضي.
قرأت الناقدة النصوص في كتابها انطلاقا من علاقة (الكرونوتوب) بالعنوان الذي ترى أنّه يحقق هوية النص ويقيم الصلة بالمضمون لكونه يجلو عنه ويبين فحواه، متطرقة على ضوء هذا الفهم إلى دراسة العناوين الرئيسة والفرعية.
ثم مضت لاستكشاف تمظهرات المكان المركزي ثم الأمكنة الثانوية عبر تغير الزمن، مركزة بذلك على ما أسمته بـ (المكان المركز) و (المكان الهامش)، وبهذا فهي تكتشف المدينة التي عاشها الشاعر وأحياها بين قصائده متنقلاً فيها بذاكرته وحيواته المتعددة نحو المستقبل ومستعيداً إيّاها بطريقة خاصة عبر ذاكرة متوقدة وشخوص كثيرة ولا تنسى نور وهي تدور بين أزقة هذه النصوص وعوالمها أن تستخلص ما للحرب من أثر عبر فصل أسمته (كرونوتوب الحرب) موضحة أن الشاعر جعل الحرب ثيمة ناهضة بذاتها تكاد تكون مركزاً لأكثر من نص، بل يكاد الشاعر أن يترك معلومة تخبر القارئ بأن ما حدث من وجع في معظم النصوص على اختلاف عنواناتها كان بسبب الحرب والهزائم وتناسل تلك الحروب اللا نهائيّة وتنوعها.
ثم أنهت دراستها بخاتمة قالت فيها: من خلال ما تقدم من دراسة يتبين لنا أن تعريف مصطلح (الكرونوتوب) على أنه العلاقة الجوهريّة بين الزمان والمكان المستوعَبة في الادب استيعابا فنيّا. ثم لفتت في جزء آخر من الخاتمة إلى احتواء نصوص (ما يفسره البياض) للبناي على كرونوتوبات بارزة فرضها النص مثل (المدينة) و (الحرب) و (الشخوص والذاكرة) وتضمن الكتاب عددا من نصوص مجموعة
الشاعر.
تحدثت نور لـ "الصباح" عن مضامين كتابها، مبينة أن دراستها دارت حول تجليات الزمان والمكان في النص الشعري في مجموعة (ما يفسره البياض) للتمهيد قدر الإمكان لمنهجة الزمكان (الكرونوتوب) مصطلحاَ نقدياً يمهّد لفهم رؤية الشاعر، وذلك من خلال الاستعانة بالكرونوتوب أو الزمكان بلحاظه مصطلحاً نظرياً وتطبيقياً، او بلحاظه مفهوماً اجرائياً اساسياً ومهمّاً من أجل استكشاف أغوار النص الابداعي والتوقف عند بنيات هذا الفضاء المركب والموحد ورصد مختلف بنياته الظاهرة والخافية واستكشاف دلالاته الصريحة والمضمرة واستجلاء مجمل الوظائف المباشرة وغير المباشرة التي يتعلق بها هذا المصطلح (الكرونوتوب) النصّي بكلِّ حالاته.
ثم تكلمت عن تعريف باختين لهذا المصطلح الذي يحدد الزمكان الوحدة الفنيّة للمؤلف الادبي في علاقته بالواقع الفعلي مؤكدة على أن لهذا السبب ينطوي الزمكان في النص الابداعي دائما على لحظة تقييميّة لا يمكن فصلها عن الزمكان الفني الكلي إلا في التحليل المجرد.
وأضافت قائلة: من الاسباب التي دعت الى الرغبة في دراسة هذه النصوص على وفق ثنائية الزمان والمكان بوصفها ثنائية قارة في النص ومحورية ومحركاً للمضمون والرؤية، الأول: هو القناعة الذاتية بقدرة الشاعر في استعمال هذه الثنائية بطريقة متفرّدة كونها تنقل لنا الواقع الذي كان يعيشه العراق عامة والمثقف خاصة في حقبة زمنية معينة ذكرها الشاعر في النص دار غالبها في حقبة زمنية عاصره الشاعر فضلا عن القضايا التي تخص الانسان العراقي وهمومه ورغباته بل وحرمانه وتاريخه الحافل بالحروب والهزائم والاضطرابات واحيانا بالفشل والمشاعر الخاصة به او بمن حوله والاخر يتعلق بما تزخر به النصوص من أزمنة وأمكنة تؤثر محورياً في تطور النص ونسيجه الابداعي وضرورة توثيق هذا العصر الذي عرف فيما بعد في الاصطلاحات الابداعية بالعصر الزيتوني نسبة الى لون الثياب العسكرية وملابس أزلام السلطة الطاغية آنذاك واستعمال ثنائية المكان في ظل زمن ارتبط به المكان في النصوص وكيف توصلنا الى قناعة الاغتراب والشجن وقد درس البحث على وفق مباحث فرضتها النصوص حول علاقة الكرونتوب بالعنوان نتيجة لما للعنوان من اهمية وعلاقة وثيقة بمضمون النصوص وتعبير عن الرؤيا في المجموعة بالكامل من خلال دراسة العنوان الرئيس في المجموعة وتوضيح صياغته اللغوية والفكرية وثيمته
الكبرى.