ترجمة: جودت جالي
افترق دربان أدبيان تاريخيان في الغابة. الأول مألوف لنا وهو درب حكاية الجنِّ الموسومة بأسماء أمثال شارل بيرو والأخوين غريم ووالت ديزني، والدرب الآخر هو الذي ترتاده (أين داﮔِﻥ) في كتابها (الأميرة المفقودة)، معبَّد بأسماء لن يتعرَّف عليها معظم القرَّاء: ماري-كاثرين دولنوي، وشارلوت- روز دولا فورس، وهنرييت جولي دي مورات، من بين أخريات. ولكن هذا الدرب الأكثر غموضاً ليس دائماً الدرب الأقل سلوكاً.
يتتبع (الأميرة المفقودة) أربعة قرون في طريق يعود بنا إلى كاتبات فرنسا العصر الحديث المبكر، وهن مؤلِّفات الحكايات، اللواتي كنَّ يوماً بأهمية نظرائهن الرجال المعروفين الآن. تروي داﮔِﻥ، وهي تركز على دولنوي الأولى والأكثر نفوذاً من هذه المجموعة، في قصص تسبق تقليد غريم- ديزني القصصي بقرون عديدة، حكايات تضع الشخصيات الأنثوية كشخصيات رئيسة تحتل الخط السردي الرئيس، ربما كرد فعل من المؤلفات على استعبادهن الاجتماعي مثل بطلاتهن. إن مؤلفات الحكايات أنفسهن كنَّ متمردات، ولكنهن لم يعشن دائماً بسعادة بعد تمردهن. لقد تم تزويج دولنوي وهي بسنِّ الثالثة عشرة إلى بارون غير مخلص لها ويعاني من مشكلات مالية ويكبرها بثلاثين عاماً. عندما اتخذت عشيقاً وحاولت أن يدان زوجها بالخيانة أودعت في دير بأوامر من الملك لويس الرابع عشر. تم كذلك عقاب مؤلفات أخريات بتهم السحاقية وحيازة أعمال خلاعية.
لقد تفاخرت فرنسا القرن السابع عشر بنظام اجتماعي قضى على البطريركية قضاءً مبرماً حيث برز الصالون الثقافي كموضع لحرية النساء الثقافية والفنية مادّاً مؤلفات الحكايات بالقوة لإعادة تخيّل حيواتهن من خلال حكايات الجنِّ. برغم أن الدير قد يكون أمدَّ دولنوي بوقت مثمر للعمل على كتب مثل (قصة هيبوليت) و(الكونت دو دوغلاس) 1690 و(حكايات الجنيات) 1697، إلا أن الأسلوب الحواري المتألق لقصصها هذه يمكن تتبع أصله إلى الوقت الذي كان لديها صالون في بيتها بشارع سان- بينوا في باريس.
إن أياً من فصول داﮔِﻥ يبسِّط الخط السلالي لحكاية معروفة جيداً، من نسخة المؤلفة إلى النسخ المشتقة منها، ومن المدهش أن نجد أن الأميرة الضحية ينقذها أمير برغم نزعة التمرد الاجتماعي للمؤلفة. إن السندريلا الأصلية (فينيت سندرس) تقتل أول زوجة أب قاسية وترشّ أخواتها غير الشقيقات بالطين في طريقها للمطالبة بخُفّها. يوجد سَلَفان لقصة (الحسناء والوحش) هما (الكبش) و(الأفعى الخضراء) يموت الوحش في إحداهما والحسناء تصبح ملكة مملكتها. إن (القطة البيضاء) ترينا عذراء تتحول إلى أنثى سنور آمرة تدفع ثلاثاً من ممالكها الستِّ من أجل أمير تتزوجه.
الأكثر إدهاشاً من الحكايات نفسها بأن هؤلاء المسيطرات على الممالك والأميرات الذابحات زوجات الأب كنَّ ذات يومٍ معروفات للقراء جيداً. قصص الأميرات القويات هذه بالمقارنة مع قصص بيرو، وجيامباتستا باسيل، تنتشر منذ أدب العصر الفرنسي الحديث المبكر إلى الأدب الإنكليزي والموسيقى والمسرح، والى الثقافة الشعبية التشيكية، وقصص الأطفال الألمانية، والى أغلفة الشوكولاته الفرنسية، وحتى إلى الكتب المكسيكية الكوميدية. قصص دولينوي الشعبية مثلاً كانت مترجمة إلى الألمانية والتشيكية، ومن ثم ملهمة لنسخ بأقلام كتاب أوروبيين آخرين، بضمنهم المؤلفة النسوية التشيكية بوزينا نيمتسوفا التي اقتبست (فينيت-سيندرس)، وبدورها فإن نسخة نيمتسوفا هذه شكلت أساساً لفيلم المخرج التشيكي فاكلاف فورليتشيك (ثلاث بندقات لسندريلا) 1973. إن تأثير مؤلفات الحكايات تغلغل في وسائل الإعلام، وخارج الحدود المحلية، وعبر الزمن. كشفت داﮔِﻥ زيف فكرة أن الصورة البلاغية التي تمثل أميرات الحكاية الخرافية بوصفهن ناكرات للذات وطاهرات هي فكرة لا تتحدد بزمن معين وأولية. هذا الصياغة، من قبل المؤلفين والقراء والناشرين، المحسوبة لتضخيم التأويلات التي تحصر أخلاقية وسلوك الشخصيات الأنثوية ضمن حدود محتشمة.
لا تهدف داﮔِﻥ إلى مجرد الإضافة إلى قصص الكتاب الذكور عدداً قليلاً من النساء في الهوامش، بل تنشد تحويل التيار الرئيس، وبعملها هذا تعلن السؤال: ما هي حالة المعتمد الأدبي اليوم؟ يلغي هارولد بلوم إلغاء شهير الاندماج الواعي للنساء والأقليات في المعتمد الأدبي الغربي بوصف هذا الاندماج “ برنامجاً مفترضاً (وغير موجود) للتغيير الاجتماعي”، ولكن أمثال هذه الحذوفات حرَّفت فهمنا للتاريخ وللاستحقاق معاً.
في الحقيقة أن النصوص القصصية لمؤلفات الحكايات تنطبق تماماً على تعريف بلوم للأدب المعتمد: إن شخصياتها الرئيسة التي تقاوم السيطرةَ الاجتماعية على السلوك الجنسي الأنثوي، والزواجَ، والسلطةَ السياسية يمتلك معتمدية بلوم في “الغرابة” وتشترك في سلسلة التأثير. يذكر الأخوة غريم مؤلفات الحكايات بوصفهن كاتبات المصادر التي غيروها لاحقاً. ليس التأثير مستغرباً منذئذ، كما تشير داﮔِﻥ، ومؤلفات الحكايات لسنِّ هامشيات، بل مؤلفات كن الأكثر مبيعاً طوال 300 سنة.
لم لا تكون معتمدة؟ إن أرضية إهمال هذه الأعمال، كما تذهب الكاتبة، هو انخراط طويل الأمد في قصصية “ أن تاريخ النساء، والجندر، والنسوية هو تاريخ غائي حول التقدم، وحول النساء اللواتي لم يملكن صوتاً قبل القرن العشرين، حول حصَّة النساء من التحسُّن”. إن التحدي طويل الأمد في الحركة الحالية للتاريخ التعديلي النسوي سيقلب هذه القصصية ويجعل النساء الكاتبات “المفقودات” لسن موجودات فقط في اللحظة النقدية الحالية بل وجوهريات على الدوام. تبين أين داﮔِﻥ بأننا يجب أن ننظر إلى مؤلفات الحكايات ليس فقط كشيء مثير للفضول ظرفياً، يُستظهر ثم يُنسى سريعاً، ولكن كأميرات التاريخ الأدبي اللواتي لم يُفْقَدن حقاً أبداً.
*****
Times literary supplement