د. سعد العبيدي
يبدو أنَّ مفهوم الدولة لدى البعض من الجماعات هنا في العراق، مفهوم ضبابي، أو حتى عدائي، إذ وما زلنا نلحظ خلال الست عشرة سنة الماضية التي أعقبت السقوط وأسست اتجاها لبناء دولة، إنَّ هذا البعض يؤدي أعمالاً تتنافى ومفهوم الدولة، فيأخذ عدته وسلاحه على سبيل المثال ويتجه ليطلق صاروخاً من بعيد باتجاه سفارة أجنبيَّة، ليس لها موقف معادٍ للشعب أوالدولة. فيترك دولته العراق في حالة حرج لما يتعلق في التعامل الدبلوماسي مع الدول الأخرى ومع قانون دولي يحتم التزام الدولة بحماية البعثات الدبلوماسية للدول.
المشكلة انه لا يتعظ، فيأخذ عدته وسلاحه، يتنقل بها وينقلها الى أماكن أخرى ليطلق صاروخاً آخر على بعثة تدريب دولية حضرت تحت يافطة التحالف الدولي لتدعم وتدرب قواته المسلحة أملاً في أن تتطور قدراتها لتحميه وتحمي الدولة. وبفعلته هذا زاد من حرج الدولة.
إنَّ أمر المس المقصود لمؤسسات ورموز الدول الأخرى الموجودة داخل البلاد، لم يتوقف عند صاروخ يطلق وكتابات على الحيطان وهتافات تقام، بل وصلت حد اقتحام سفارة دولة ممثلة في العراق وهي البحرين، اقتحام غريب وقعه، إذ إنَّ ظاهره احتجاج على دولة البحرين لانعقاد مؤتمر دولي على أراضيها، يراد له التمهيد الى تكوين أسس لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حل غاب عن طاولته الفلسطينيون أهل الشأن.
لقد دخل المحتجون الموجهون باحة السفارة،هشموا زجاجها، رفعوا علماً فلسطينياً. فأحرجوا العراق، الدولة التي بادرت وزارة خارجيتها بالاعتذار وأجرت اتصالات مع وزير خارجية البحرين، وكذلك فعل السيد رئيس جمهوريتها في وقت بات فيه العراق يسعى لأنْ يعيد التمثيل الدبلوماسي في البلاد الى سابق عهده.
إنَّ اقتحام حرم أية سفارة خطأ. وعملٌ غير مسؤول، يفسح المجال لتحريك الغوغاء في المجتمعات الأخرى للتفكير باقتحام سفاراتنا في الخارج، وهذا ما لا يجب أن يقبله أي عراقي غيور. كما أنَّ وضع علم فلسطين فوق السفارة لا يسر الفلسطينيين أصحاب القضية، لأنهم أنوا كثيراً تحت تأثير سلاح هذا البعض المتظاهر، فتركوا بيوتهم وهربوا مثل رعايا أعداء خسروا حرباً وسكنوا خيماً على الحدود بقوا فيها لعدة سنوات عتبوا خلالها على العراق وتمنوا أنهم لو لم يستجيروا بأهله. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنَّ الاتجار بالقضية الفلسطينية أسلوبٌ بائسٌ لا ينفع، إذ تاجر فيه العرب الثوريون ليستمروا في الحكم سنوات اضطهدوا خلالها شعوبهم، والعود اليه الآن يعني أنَّ هذا البعض يسعى لإنعاش مسألة الاتجار وكأنهم يشتهون أن يُضطَهَدوا مرة أخرى بشعارات أخرى ستختلف فيها أحرف الكلمات فقط.
وختاماً يصح القول إنَّ ضرب السفارات والاعتداء على رعايا الدول، واستخدام السلاح خارج سيطرة الدولة واقتحام السفارات خطأ لا يحرج العراق فقط، بل ويجعله صغيراً في عيون الدول والشعوب الأخرى.