كتب رئيس التحرير:
هناك قاعدةٌ مسلّمٌ بها في أصول الفقه تنصّ على أنَّ "درء المخاطر مقدّمٌ على جلب المنافع". وهي تتوافق مع المنطق والفطرة السليمة وجوهر الأديان. ولذا فإنَّ الإنسان السويَّ إذا وُضِع بين خيارَيْنِ يجلب أولهما منفعةً ما في ظلِّ خطرٍ محتملٍ بينما الخيار الآخر يدفع الخطر نهائياً ويُؤجِّل المكسب إلى وقتٍ آخر، فسيكون الخيار الثاني هو الأرجح عنده والأنسب.
يصدق هذا الوصف على ما تمرّ به منطقتنا أمنياً وسياسياً. فهناك كرة نارٍ تتدحرج من دولةٍ لأخرى مثيرةً مخاوف وتوجّساً وقلقاً لدى الناس البسطاء فضلاً عن الساسة وأصحاب القرار، وتحوم في الأرجاء نُذرُ احترابٍ رأيناها ورأينا آثارها المأساويَّة في غزّة وجنوب لبنان ومناطق أخرى.
ولذا فإنَّ من الطبيعيِّ والمتوقّع ممن يستشعر مسؤوليته عن مصائر مواطنيه أنْ يجنح إلى خيار تجنيب دولته وشعبه خطراً محدقاً وأنْ يسعى مع الآخرين لإبعاد هذه المخاطر ما أمكنه ذلك.
وفق هذه الرؤية نستطيع قراءة التحرّكات التي قام بها رئيس الوزراء محمّد شياع السودانيّ إقليمياً ودولياً، وآخرها زيارته أمسِ إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة التي كانتْ ـ بحسب البيان الحكوميِّ ـ منصبَّة على موضوعٍ واحدٍ، هو السعي لإبعاد دول المنطقة عن أتون النار، ومحاولة لإرساء السلام والأمن من خلال التوافق على رؤى مشتركةٍ بين الدول، وخصوصاً بين الشقيقين الكبيرين: العراق والسعوديَّة.
الاستقبال المميّز الذي حظي به السودانيّ في مدينة العلا، وما رُشّح عن الاجتماع من بياناتٍ يُشير بوضوحٍ إلى أنَّ اللقاء كان لقاء عقلاء يعرفون أنَّ هذا وقت درء المخاطر.