د. علي إبراهيم
تدور أحداث رواية "قيلولة" لسلام حربه في الحلة، محلة الوردية العريقة مسقط رأس الكاتب وأبرز شخصيات الرواية فرات الشاعر، والراوي د. عظيم. في البداية ينبغي معرفة مفهوم الفخ السردي مثل ما نظر إليه الكاتب لوي ماران والذي يعزو وجود الفخاخ إلى ثلاثة مصادر "الإيهام، والشهوة، والقوة"، "هذه الأسس مصدر وجود ثلاثة أنواع من الفخاخ، نوع تبتكره المخيلة وآخر يخلقه ضغط الحاجة والأخير نتاج الحركة، إضافة إلى أن المزج المنظم بين هذه الأنواع الثلاثة يؤدي إلى خلق العديد من ضروب الفخاخ"، والتوليف بين هذه الأخيرة يضاعف بدوره من خلق لفخاخ شديدة التميز لا حصر لها ومتعذر الإحاطة بها.
وانطلاقا من هذا التشخيص وجدنا أن الكاتب وقع في فخ سردي نقله نقلا إلى متناقضات كبيرة، أولها: اختياره للشاعر فرات الشاب الذي بدأ طريقه في كتابة الشعر، وفي الأفق علامات على إمكانيات تطوره، فهو ليس مفكرا ضالعا في أهمية تغيير العالم وطبيعة الحكم في بلده، بل هو انهزم من أول صعوبة صادفته في حياته الحزبية والسياسية مما اضطرته ترك حزبه من دون أن يتلمس أي مخرج يساعده على مواصلة جهوده مع حزبه لمواصلة المسيرة في تطوير الجبهة الوطنية، أو إيجاد طريق آخر غير الغياب القسري عن الساحة أو سوح النضال في كل مكان. فكان يفكر في الهجرة والانعزال. ولم يعرف خطأه إلا بعد هجرته للحياة وعودته إليها، بعد أربعين سنة، وقد عبر عن ذلك قائلا: "لو لم أهرب أنا في بطن العلم والآخرون إلى الخارج وتركنا البلد فارغا لهؤلاء المجرمين.. وصرح: الخلل فيّ وليس في الناس.. الشعر روح، وروح الشعب حية وبسيطة وليست معقدة تعرفها من نظرات عيونهم السمحة.. أنا شاعر فاشل ولا استحق الحياة.. يجب أن أعدم في ساحة عامة كي أكون درسا لكل من يهرب بجبنه ويتجرد عن وطنه..."، وهنا حدث خلل في التقييم فهروب فرات يختلف عن هروب مناضلين اضطرارا، ليعودوا إلى وطنهم ثانية ليناضلوا ويستشهدوا في سوح مقاومة النظام، أو يقعوا في أسره ويعدموا أو يقاوموا عبر ساحات أجنبية، فيلاحقهم النظام ويغتال من يقع في قبضة جواسيسه. لقد قدم هؤلاء كثيرا للوطن وفي أي مكان يتواجدون ومن خلال ما كتبوا في الصحافة في كل أرجاء العالم، وفي مجال الأدب والثقافة. ولو لم يكن دورهم كبيرا ومؤثرا على النظام لما صرف الكثير في محاربتهم. ينبغي التفريق بين ما فعله فرات وما قدم هؤلاء وذويهم المحاصرين في الوطن.
لنقف عند تسمية الراوية بقيلولة التي لم ترد مرة واحدة في عموم سرد الرواية، فليس لها بعد على أي شكل أو مستوى إلا إذا أراد أن يفترض أن رحلة فرات على مدى أربعين عاما هي قيلولة على خلاف المعنى السائد للقيلولة، وهي النوم خلال النهار ظهراً، وأيام الصيف الحار جدا فإذا أراد الكاتب أن يفترض هذا المعنى، فلماذا لم يشر إليه في عموم نص الرواية؟ ناهيك عن أن حدث الرواية يتناقض مع هذا المفهوم، لذا أرى أن العنوان لم يكن منسجما مع المتن.
خطبة "عظيم" من هدى أخت الشاعر، لم يكن خيارا موفقا وجاء تلبية لرغبة صديقه فرات وكانت نتيجتها الطلاق، بعد عشر سنوات من الزواج واللافت للمتلقي أن "عظيما" حضر وحده وغابت عائلته بكاملها، وهذا فخ سردي ثان من دون أن يرد أي مبرر في النص.
أما الفخ الكبير في هذه الرواية، هو فكرة تجميد حياة الشاعر فرات لمدة أربعين سنة، لم يكن موفقا لأن القانون الدولي لا يسمح بتجميد الأحياء. ويمكن أن يجمد الإنسان بعد موته ولمدة لا تتجاوز العشر سنوات.
من جهة أخرى كانت الفكرة غير مجدية، ولم يحقق ما أراده بقوله: "هذا الزمن البائس لا يفضحه إلا فرات حين يعود ثانية إلى بر وجوده ويرى ما يرى..."، وكل ما جرى ويجري مفضوح لا يحتاج أن يختفي إنسان مبدع وذو فكر مدني نير، ويهرب ليعود ثانية بعد أربعين عاما ليصحح ما هو خاطئ، بهذه الطريقة الفانتازية التي لا تمت للواقع بصلة، والمشكلة ليست في الفانتازيا التي وظفت في كثير من أعمال روائية لمعالجة أوضاع واقعية، ولكن ما رآه بطل الرواية فرات بعد عودته إلى الحياة مختلف تماما عما توقعه الراوي حيث الندم وهو السائد في سلوكه وكانت هذه الكلمات تمهيدا لانهاء حياته معلقا بمروحة سقفيّة.
هذه الملاحظات لا تقلل من أهمية تجربة الكاتب سلام حربة الذي مازال مبدعاً في كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والرواية، وله ابداعات أخرى في مجال كتابة المسلسلات التلفازية، تحياتي له وأتمنى له مزيدا من الابداع.