أ.د عامر حسن فياض
قام المنتظم الليبرالي التقليدي على مقولتي الفرد أولاً قبل الجماعة وان الدولة عليها ان تكون حارسة ولا تتدخل. وهذا المنتظم ضمن لنفسه بوصفه نظاما اقتصاديا اجتماعي الهيمنة لقرون، لكن الأحداث التي، وان لم تستطع وضع نهاية لهذه الليبرالية في صورتها التقليدية اصابتها بالوهن في المراحل اللاحقة بفعل أربعة عوامل هي: الحرب العالمية الاولى (1914- 1918) والثورة الروسية (1917) والازمة الاقتصادية الرأسمالية الكبرى (1929) وانتشار وتأثير الافكار الفاشية والنازية الناشئة حديثاً في أوروبا آنذاك.
لقد شهدت الليبرالية التقليدية التي أصابها الوهن بفعل هذه العوامل الأربعة، ظهور اتجاهين جديدين حاول كل منهما بطريقته الخاصة تفسير ومعالجة الوهن، الذي عانت منه وهذان الاتجاهان هما:
- الاتجاه الليبرالي التقليدي القائل بأن الوهن الذي تعاني منه الليبرالية، يرجع إلى ان الواقع يتبع الفكر الليبرالي مما يستلزم الارتقاء بهذا الواقع إلى مستوى الفكر الليبرالي كشرط لازم لضمان تكامل الليبرالية، ومن ثم فليس هناك في الليبرالية ما ينبغي مراجعته واعادة النظر فيه.
- الاتجاه الليبرالي الجديد القائل بأن الوهن الذي تعاني منه الليبرالية يرجع إلى أن الواقع باق وقائم بكل تجاربه وخبراته ودروسه. وأن انفصاله عن الفكر الليبرالي يعود إلى أن هذا الفكر لم يتبع الواقع مما يستلزم الارتقاء بالفكر الليبرالي إلى مستوى الواقع كشرط لازم لضمان تكامل الليبرالية، ومن ثم هناك في الليبرالية ما ينبغي مراجعته وإعادة النظر فيه.
ولكن ماهي مظاهر الجدة في الاتجاه الثاني وأفكاره؟ يذهب البعض إلى أن الليبرالية الجديدة ظهرت في الندوة التي انعقدت في باريس صيف عام 1938م وترأسها المفكر الليبرالي الامريكي (والتر ليبمان 1880- 1974م) ونشأ فيها تجانس فكري بين عدد من المفكرين الليبراليين لم يتم التحضير له مسبقاً، ليكون هذا التجانس اساسا للاتجاه الليبرالي الجديد.
لقد أوضح (ليبمان) أن المقولة الاساسية لليبرالية الجديدة على المستوى الاقتصادي هي ميكانيكية الاسعار العاملة في ظل سوق حرة، هي الوحيدة القادرة على ضمان تنظيم الانتاج بشكل يكون معه قادراً على الوصول إلى استعمال جيد لوسائل الإنتاج واشباع الحد الاقصى من رغبات الناس، على أن يتحدد كل ذلك بشكل حاسم بموجب القوانين، وأن الاخيرة لا بد أن تكون من وضع الدولة فهي المسؤولة عن التخطيط والادارة الاقتصادية تقع على عاتق هذه الدولة، ولا تترك إلى قوانين السوق وثلاثية الأسعار والعرض والطلب خارج قوانين الدولة بهذا الشأن.
أما المقولة الاساسية لليبرالية الجديدة على المستوى السياسي، هي أن النظام القانوني ينبغي أن يكون مقرراً بموجب اجراء مسبق، يتضمن تحضير القوانين في مجالس تمثيلية نيابية، وأن هدف النظام القانوني هو ضمان الحد الاعلى من المنفعة مع مراعاة الاعتبارات، التي يمكن أن تحدد غايات اجتماعية ينبغي أن يتم اختيارها بطريقة ديمقراطية لا تستبعد رصد جزء من الدخل القومي لتحقيق غايات ذات طبيعة اجتماعية جماعية، والدولة الليبرالية بوسعها، لا بل ينبغي عليها، استقطاع جزء من الدخل القومي عن طريق الضريبة لتخصصه لتمويل الغايات الاجتماعية الجماعية الخاصة بالدفاع الوطني والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم والبحث العلمي.
وهكذا فإن تمييز الليبرالية الجديدة عن الليبرالية التقليدية واختلافهما يكمن في اعتقادها بأن الجماعة هي الوحدة الأساسية في المجتمع، وليس الفرد بقدر ما يكون وجود الجماعة ضمانة وشرطاً لتنمية شخصية الفرد وتحقيق حريته الشخصية مما يسمح بالقول بأن الليبرالية الجديدة يمكن أن تسمى ايضا بالليبرالية الاجتماعية.