حياة في شارع

الصفحة الاخيرة 2024/12/26
...

طه جزاع

في الباب الأول من كتابه "رحلة في ذاكرة شارع الرشيد" يتحدث الصحفي والمترجم العراقي المغترب سعدون الجنابي عن سكن الملوك ومقرات الحكومة، وعن سوق هرج الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 350 عاماً، ومقاهي الأدباء الزهاوي وحسن عجمي والشاهبندر والبرلمان، من دون أنْ ينسى "شربت زبيب حجي زبالة" الذي افتتح في العام 1900، وأفران كعك السيد الذي كان من زبائنه العائلة المالكة وكبار المسؤولين، وفيه أنشد الرصافي: "كلما فكرت بالكعك اشتريت.. كعك السيد أشهى ما اشتريت"، فردَّ عليه الزهاوي: "يا لذتي تجددي بأكل كعك السيدِ"!.

ثم يعرج المؤلف إلى المدارس اليهوديَّة شماش للبنين والإليناس ولورا خضوري ومسعودة شنطة للبنات، وإلى القشلة والسراي والصابونجيَّة وميدان باصات الأمانة والحيدرخانة وساحة الرصافي والأمين، وسوق الصفافير وخان مرجان التراثي وباب الأغا وتحت التكية وسوق الشورجة التراثي وعكد النصارى والجنابيين وحافظ القاضي والعبخانة.

وصولاً إلى رأس القرية والذبان وبابل مصور الرؤساء وبيت لنج ومكتبة مكنزي ناجي جواد الساعاتي واورزدي باك وسيد سلطان علي ومقرات البعثات الأجنبيَّة وصيدليَّة المرَبعة ومقهى البرازيليَّة وسينما الرشيد الصيفي وسينما الزوراء وباب الشيخ، ثم جسري السنك والجمهوريَّة وبيت ساسون حسقيل الذي سكنته الآنسة البريطانيَّة غيرتورد بيل "المس بيل" أول وصولها لبغداد، وأسواق حسو اخوان وقاعة الخضيري للتحفيات ودائرة البريد والبرق والهاتف ومحلات ملابس شاهين والياس حسو ومحال اسطوانات جقماقجي.

كان شارع الرشيد يوماً يضجُّ بالحياة، ويلخص المجتمع البغدادي بكل مكوناته المتآلفة ومستوياته المتفاوتة، هو أكثر من شارع ومن أعمدة ودكاكين، هو ذاكرة بغداد التي ننتظر أنْ تدبَّ فيها الحياة من جديد. وقد بدأت الخطوات بعد طول انتظار.