محمد شريف أبو ميسم
بحسب "جبريال صوما" مستشار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" : إن المشروع الابراهيمي قادم لا محال، وحين سئل في لقاء تلفزيوني، ما هو محتوى هذا المشروع، أجاب: يبدأ بإنهاء الصراع مرورا بتطبيع دول المنطقة مع دولة الاحتلال وتنفيذ مفردات صفقة القرن، ويأتي هذا التصريح بالتزامن مع تكثيف الاعلام الصهيوني المتطرف لفكرة إقامة دولته المزعومة بموجب الشعار الماسوني الشهير من الماء إلى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى". وعلى هذا، فان القضية وكما باتت واضحة لا تختزل بصراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، وانما بدفاع شعوب هذه المنطقة عن بلدانها، إذ بات واضحا أن كيان دولة الاحتلال هو غرفة عمليات لتحقيق أحلام التوسع التي تقودها وترسم ملامحها الدولة العميقة ( وهي بضع أسر تتحكم بثروات كوكب الأرض وتحتكر اقتصاد المعرفة)، وتدير مشروع الهيمنة على الشرق الأوسط بموجب ما يدعيه اليمين المتطرف في الكيان، الذي عادة ما يوظف النصوص المجتزأة والمحرفة من التورات، اذ يسوّق الصهاينة فكرة: إن الوعد الإلهي كان في البدء لإبراهيم ثم انتقل إلى اسحاق ابن زوجته سارة وأحفاده، ويتعمدون نكران هذا الوعد أيضا لابنه إسماعيل وأحفاده ويحتفظون بهذا الحق المثير للتندر لأنفسهم فقط، اذ يرد في سفر التكوين كما يقدمونه لنا في سياقات سياسة التدجين للعقل العربي المطبّع ( 12: 14-15: وقال الرب لإبرام " ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي انت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.. لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك اعطيها ولنسلك إلى الأبد") وكأن هذه الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات وامتداداتها ليست من حق سكانها.
وفي سياق التمهيد للمشروع الابراهيمي وهم بصدد التبشير لفكرة التعايش واقامة السلام، تمارس الابادة والتطهير العرقي لأولاد العم، ليقدم خيار التطبيع لشعوب المنطقة بوصفه حلا وحيدا ونهائيا، باتجاه قيام النظم الليبرالية، التي تستبدل سلطة الدولة بسلطة المال تبعا لحق الشركات في المواطنة، وهذا الحق في النظم الليبرالية يعطي الشركات حقوق المواطنة كما يتمتع بها المواطن العادي، لتكون هذه الشركات صاحبة الحق في ادارة شؤون الحياة وتشكيل الحكومات، التي عادة ما يكون أفرادها موظفين عند سلطة الشركات وفق منهج الاحتواء الاقتصادي، بمعنى أن استراتيجية المشروع ستتخطى التطبيع إلى مساحة الاندماج الجهوي، حينها ستتولى سلطة المال ادارة شؤون الحياة السياسية والاقتصادية وحتى الشؤون الأمنية مع وجود شركات العولمة الأمنية، التي تتحكم بجيوش العالم وتدير ملفاتها الاستخبارية واللوجستية حاليا.
وقد يقول قائل إن العالم الآن يتشكل وفق الاندماجات الجهوية، وان الانخراط في هذا الاتجاه هو تحصيل حاصل في سياق المتغيرات التي يشهدها العالم، فنقول له، إن الحمائية هي المتبعة حتى في أعتى الدول اندماجا في هذه المنظومات، والدولة التي تعاني من اختلالات اقتصادية وفجوة علمية كبيرة بينها وبين من يقود اقتصاد المعرفة لا تلقي بكل أوراقها دون تحوط، فضلا عن سعيها للانتفاع من ايجابيات الاندماج والحد من تغوله، عبر حزمة القوانين التي تلزم الآخر بالحفاظ على سيادة الدولة وثرواتها وحقوق شعوبها، والأهم من ذلك كله فإن الاندماجات عادة ما تكون دون أطماع صريحة للاستحواذ على أرض الطرف الآخر..