جان جاك روسو.. مسرحية {بجماليون}

ثقافة 2024/12/29
...

  بهاء محمود علوان 

تعد أفكار الكاتب والفيلسوف الفرنسي الذي برز في عصر التنوير "جان جاك روسو" ونظرياته في التعليم والدين مؤثرة ومثيرة للجدل. 

ولد جان روسو الذي كانت له مساهمات في الموسيقى أيضاً في الثامن والعشرين من يونيو/ حزيران عام 1712 في جنيف، من أسرة فرنسيّة نزحت  إلى جنيف واستقرت فيها، كتب المونودراما الشهيرة "بجماليون" في عام 1770، وكان يعد مؤسس هذا الجنس، على الرغم من أن هذا الجنس كان معروفاً بالفعل في العصور القديمة. 

ويوضح الاقتباس التالي ما الجديد الذي جلبه هذا الشكل من الفن الحديث، وكيف وجد اهتمام المعجبين على الفور: (كان الشكل المصغر للمونودراما الجديد منغلقاً على نفسه، وكان في جوهره كذلك أغنية تشكل تعدد الأصوات في التعبير عن المشاعر. وفي الوقت نفسه، تحاول إضفاء الطابع الشخصي على الشخصية الناطقة، وعند استخدام المونولوجات لترسيخ الشعور المعني في الانتقام والغيرة والحسد، وكذلك الحب وسرعان ما وصلت أعمال روسو الصغيرة والغريبة التي صنعت عصراً جديداً  إلى ألمانيا وتم تقليدها بفارغ الصبر).

ومن الملاحظ أيضاً أنه في بداية القرن العشرين فقط، جاءت نهضة المونودراما بشكلها الواسع ومفهومها الحديث. وصار جليلاً بأن الاتجاه في المونودراما الآن هو اختزال عالم المسرح من حيث الإنتاج والشخصيات والنص، والسؤال المفتوح حول هوية الفرد مع تزايد عدم الثقة في اللغة، وإمكانية التواصل بين الأشخاص. أثبتت المونودراما أنها مناسبة لتصوير الشك اللغوي وفقدان الهوية والتشوه النفسي: (تصبح اللغة كلاماً ميكانيكياً رتيباً، ويصبح العالم العقلي الداخلي مسرحاً لحدث يتسم دائماً بالموت).

ومن مؤلفي المونودراما في القرن العشرين، الذين حظوا بانتشار واسع على نطاق أوروبا تجدر الإشارة  إلى: الكاتب النمساوي "أرنولت برونين" الذي كتب "مونودراما أوستبولزوك" في العام 1926، والكاتب البريطاني "صامويل بيكيت" مع عمله "الفرقة الأخيرة" عام 1958، والبافاري "فرانز زافير كرويتز" والذي كتب "حفل أمنياته" في عام 1972، والكاتب المسرحي الألماني "بيتر هاكس"، مؤلف كتاب "الفرقة الأخيرة".  و"هاكس" بمسرحية "محادثة عين" المستمدة من مسرحية "السيد الغائب" لغوته، التي كتبها عام 1976. ويعد "بيتر هاكس" واحداً من أعظم الكتاب الألمان في فن المونودراما. 

لقد كان "بيتر هاكس" مسرحي، وشاعر، وقاص، وكاتب مقالات ألماني بارز في النصف الثاني من القرن العشرين، ومؤسس ما عُرف بالكلاسيكية الاشتراكية، وكانت مسرحياته منذ خمسينيات القرن العشرين الأكثر عرضاً وشعبية في جزأي ألمانيا على حد سواء. ولد هاكس في مدينة (برِسْلاو)، حالياً تسمى (فروكلاف في بولونيا)، لأسرة ذات توجه اشتراكي مناهض للفاشية، وكان والده محامياً. تلقى تعليمه في مسقط رأسه، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها هاجرت أسرته إلى مدينة (فوبرتال) في وسط غربي ألمانيا، حيث حصل على الشهادة الثانوية، ثم استقرت في مدينة (دَخاو) قرب مدينة (مونيخ) حيث درس في جامعة (لودفيغ مكسيميليان) الشهيرة الأدبَ الألماني الحديث والعلوم المسرحية والفلسفة وعلم الاجتماع، ونال درجة الدكتوراه بـأطروحتهِ عن الأدب المسرحي في مرحلة الأدبية المسماة (بيدَرْماير) بين عام 1815 وثورة 1848 البرجوازية في ألمانيا، ومصطلح بيدرماير يُستخدم للدلالة على الأساليب الفنية التي ازدهرت في مجالات الأدب والموسيقى والفنون البصرية والتصميم الداخلي في ألمانيا وأوروبا الوسطى، حيث نمت من خلال الطبقة المتوسطة في الفترة التاريخية بين عام 1815، وهو عام مؤتمر فيينا في نهاية الحروب النابليونية  و 1848. كتب بيتر هاكس أعماله متأثراً بأفكار هيغل ولوكاتش، وبرشت،  ثم تفرغ للأدب وعمل بالتعاون مع الكاتب "جيمس كروس" في الكتابة الدرامية للإذاعة ومسرح "الكباريه السياسي" في ميونخ حتى عام 1955، وأقام علاقات صداقة مع الأدباء: إريش كِسْتْنَر، وبرشت وتوماس مَان، ونال في عام 1954 "جائزة مدينة ميونخ للمسرح" عن عمله الناجح "افتتاح العصر الهند" الذي اتكأ فيه على التاريخ من دون أن يلتزمه، إذ أول اكتشاف كولومبس أميركا على أنه بداية انقلاب اجتماعي جذري، وقدم شخصية كولومبس عالماً يدرك مشروعه العلمي الصرف في شرطه الاجتماعي بحيث يصير اكتشاف العالم الجديد فاتحة لعصر برجوازي جديد يكسر هيمنة إشراف الإقطاعيين وحلفائهم في المؤسسة الكنسية الكاثوليكية، ويفتح البوابة على مصراعيها لقوى الإنتاج الرأسمالي بكل تناقضاتها، كما يسمح بازدهار الفنون والعلوم؛ فيتطور كولومبس في سياق المسرحية من مغامر علمي فردي إلى ممثل لطبقة اجتماعية صاعدة تناضل من أجل تحقيق عصر جديد. وفي عام 1970 قدم "هاكس" صياغة جديدة للنص بعنوان "كولومبس أو فكرة العالم على متن سفينة. كما يجد الباحثون الذين يضمون أيضاً بعض المسرحيات للمخرج المسرحي النمساوي الشهير "توماس بيرنهارد"، على سبيل المثال مسرحية "الرئيس" يصفها البعض بأنها مونودراما ذات خصائص محددة. وكذلك في ما يتعلق بمسرحيات بيتر توريني الأحادية. 

أما في النصف الثاني من القرن العشرين، فتم استخدام المونودراما أيضاً كمخطط نفسي. المخطط النفسي هو وصف أو تمثيل بالرسم لخصائص الشخص وقدراته، وغالباً ما يكون نتيجة لاختبار الشخصية. يمكن ذكر هنا على سبيل المثال "هيلموت كوالتنجر" وعمله "دير هير كارل" الذي كتبه في العام 1962، أو "باتريك سوسكيند" بمسرحيتهِ "دير كونتراباس" التي كتبها في العام 1984، حيث يعدان بمثابة مؤسسين ومؤلفين للمخطط النفسي. وكذلك تعد مونودراما "سيبيريا" للنمساوي فيليكس ميترر التي كتبها عام 1991 واحدة من تلك الأعمال التي تحسب على ذلك النوع من مونودراما "المخطط النفسي". وحتى في القرن الحادي والعشرين، تظل المونودراما نوعاً شعبياً، ولا يتضح ذلك من خلال اهتمام صناع المسرح بهذا النوع فحسب، بل أيضاً من خلال مهرجان المونودراما الدولي، الذي يقام كل عامين في فصل الخريف في مدينة كييل الألمانية.