الحجر الأول

ثقافة 2024/12/29
...

نزار عبد الستار

لنتخيل أن شابا في العشرين كتب قصة قصيرة أودعها درج مكتبه ثم ذهب ليواصل حياته، وهو يأمل أن يكون كاتبا كبيرا في يوم ما. هذه القصة النائمة ستتعرض لكثير من المتغيرات مع تقدم الوعي في النمو، وقد ينتهي بها الأمر إلى أن تكون قصة فاشلة يصعب معالجتها.

البدايات حتى وإن جاءت متينة، إلا أنها هشة ويمكن طعنها بالوعي المتزايد ما دمنا غير متيقنين من المكان الصحيح لموضع الحجر الأول. الأدب الجيد لا يتقبل تصوراتنا الخاطئة واندفاعاتنا غير الملتزمة وهو يحكمنا دائما بالنضج الفني، الذي يضع الحجر الأول في المكان الصحيح لبدء البناء.

من أهم تحديات الكتابة مقارنة نفسها بانجازات الاخر فذلك الشاب الذي أودع قصته في درج المكتب سيقرأ في سنواته القادمة المزيد من قصص الكتاب الكبار، وسيكتشف الكثير من الحيل السردية، وتتوسع مدارك خياله، وتشتد رشاقة لغته، وعندما يعود لقراءة تلك القصة النائمة فسوف يجري الكثير من التعديلات وهو يشعر بالخجل.

الشك والثقة الغائمة من علامات نمو الموهبة، وعندما لا يمكن اجراء أي تعديل على بنية تصوراتنا فهذا معناه النضج الفني. الأدب يقوم على الاكتمال الفكري، وتحديد موقعنا في الحياة، والمهارات المتحققة من مواصلة الكتابة. النص الأول هو ما تستطيع انجازه، أما النص الأخير فهو ما تتوصل إلى اختياره. هناك مشقات عدة في المسار بين البداية ومرحلة التتويج. العديد من الكتاب يفشلون في عبور خط النهاية ويستمرون في كتابة نصوص يقدرون على انجازها. 

الكتاب أصحاب المستقبل يقدمون في البدايات نصوصا ذكية محايدة. يمكن بسهولة اكتشاف مراوغاتهم لكن فضيلة هؤلاء انهم يستمرون في التمرينات، ولديهم موهبة خلاقة تمكنهم من استجلاء المراحل وتنضيجها ثم الانتقال إلى منطقة اشتغال جديدة. الوفاء للكلمة والعمل بتواصل مسكون بالشغف سيؤدي بنا الى النص الناضج. 

توجد خيارات عدة لكن الاسلم هو البدء من جديد وعلى ذلك الشاب، الذي كتب قصة قصيرة وأودعها الدرج ألا يغامر في تصحيح مكان الحجر الأول بل البحث عن أرض جديدة تكون واضحة القياسات وأكثر توافقا مع قدراته الفتية.