علي حسن الفواز
حديث الصورة يتجاوز الخبر، ويفضح ما تخفيه اللغة، فما تداولته وسائل الإعلام العالمية حول قيام الجيش الصهيوني بحرق مستشفى كمال عدوان في غزة، يكشف عن الطبيعة الوحشية لسياسة الكيان، ولإجراءاته اللاإنسانية بحق العاملين في المستشفى، من مرضى وأطباء ومعالجين، حيث أجبروا على الخروج عراة، وكأنهم أسرى حرب.
تكشف هذه الصورة في تمثيلها السريالي، وفي حمولتها الرمزية عن عنصرية الصهاينة، وعن استخفافهم بحقوق الإنسان، وعدم احترامهم للمواثيق والقوانين الدولية، وكأن البحث عن " أسراه" تحوّل إلى بحث أسطوري عن حجر الحكمة، وعن الغائب المثيولوجي، وعلى نحوٍ جعل من ممارسات الكيان الصهيوني أقرب إلى الهستيريا، والعبثية في التدمير والتخريب والحرق، وصولا إلى انتهاك المقدس، حيث تزامن ذلك مع قيام وزير الأمن الصهيوني ايتمار بن عفير باقتحام المسجد الأقصى، في سلوك يشابه اقتحام "الجنود الصهاينة" المستشفى، فما بين المستشفى والمسجد ثمة وجود أخلاقي وإنساني، وإن تعرضهما للاقتحام يعكس مدى كراهية الصهاينة للتاريخ وللإنسان وحرماته، فبقدر ما أدانت كثير من دول العالم هذا الاقتحام، لكن الإجراءات الرادعة ظلت باردة، وخاضعة إلى حسابات سياسية وليست قانونية، وهذا ما يدفع الكيان الصهيوني إلى التمادي في سياساته العدوانية، وفي تأجيج التوتر في المنطقة، فضلا عن إجراءاته الاستفزازية في قضم الأرض، كما يحدث في سوريا، وفي الجنوب اللبناني، وتحت مسوّغ اصطناع مصدات وقائية.
سياسة الاقتحام هي ذاتها سياسة العدوان، والبحث عن حلول سيبقى مُعلّقا، لأن الكيان الصهيوني يجد نفسه محميا، وغير خاضع للقانون الدولي، وأوهامه بإقامة "الدولة الدينية" ستظل رهانا على فرضية القوة، وعلى الترويج لأساطيره وسردياته المخادعة، وبالاتجاه الذي يجعل من الحرب المقبلة وكأنها حرب للسرديات، لا سيما أن الصراع الدولي تحول إلى حربٍ حول الأسواق والجغرافيا، ولا علاقة له بالأفكار التي وجدت فيها "المؤسسة الصهيونية" منطقتها الخالية لاصطناع سردية "قتل الآخر" والترويج لسردية المثيولوجيا الصهيونية حول الأرض والهيكل والتلمود، لا سيما أن حكومة "نتن ياهو" المتطرفة استثمرت هذا التخيّل لفرض سياساتها العدوانية، وتحويل الموضوع إلى صراع عقائد، وليس إلى صراع سياسي وتاريخي وحقوقي، فبالرغم من أن شعبية "النتن ياهو" هبطت إلى مستويات قياسية، لفشله في حرب غزة والجنوب اللبناني التدميرية، وعجزه عن إطلاق سراح "الرهائن" إلا أن إصراره على "وهم الانتصار" سيظل دافعه إلى التطرف في العنف والكراهية، وإلى امتصاص النقمة الشعبية من خلال تحالفات عنصرية مع جماعات اليمين المتطرف.