الوطن وإنسانية الشعوب

آراء 2024/12/30
...

 سوسن الجزراوي


مع اقتراب رحيل هذا العام 2024، تزداد الهواجس وتختلط مع بعضها ما بين مفرح ومقلق، فالكل يترقب الآتي وكأنه الخلاص! تنطوي صفحة كبيرة سجلت احداثا جساما، حروبا ونزاعات وتهجيرا وقتلا، شهداء وتهديما، وتقسيما، وكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من مشاهد يقف المتلقي حائرا بما يراه منها، لتبدأ صفحة جديدة مبهمة ضبابية يضطرب الاحساس تجاهها، فمع كل الوعود التي تطلقها القوى العظمى في العالم، وكل الشعارات الرنانة التي تعد بمستقبل مشرق، يأت أزيز الطائرات ليخترق صفاء الكون، ويعلو ضجيج الدبابات المقاتلة ليعلن عن حضور وحوش معدنية قادرة على سحق كل ما يعترض طريقها.

2024، شهد العديد من الاحداث المأساوية التي أكدت بما لايقبل الشك ولا النقاش، إن العرب أمة لا يمكن أن تتوحد يوماً ما! وإن الشيء الوحيد، الذي يمكن أن نراهن عليه حتى وإن كانت مراهنة غير مجدية، هي الشعوب! نعم الشعوب، فهي الوحيدة التي تجيد فن الاحتواء

وبتوالي الغزوات التي طالت بلاد الشام، منذ مجزرة غزّة وما شهدته أرضها من تمزيق لأشلاء من يقطنها وترويع اطفالها وتهديم منازلهم وتشريدهم في العراء، مرورا بما حصل من مأساة أخرى في الضاحية الجنوبية لبلاد الارز، لبنان، وما شهدته من قصف جوي طال كل بنيتها التحتية، ونجح في زعزعة أمنها وتشريد ناسها، وتشظيهم هنا وهناك، وكل ما خلفه ذاك العدوان الغاشم، الذي أودى بحياة الكثير الكثير من سكان تلك الأرض، وكمحطة تالية، كانت سوريا على موعد مع عدوان شرس من نوع خاص، حط رحاله في حلب ليحيل جزءا كبيرا منها إلى أطلال وأبنية متهالكة، لتمتد هذه الشرارة فتطيح بالنظام الحاكم ويتغير المشهد بالكامل بين عشية وضحاها.

امام كل هذه الافلام المروعة والتي تقف أصابع الدول العظمى وراءها بلا شك، مستثمرة تصدع المجتمع العربي، مراهنة على الرفض الذي يعلو صوته بين الحين والآخر إزاء العوز والحاجة، نتساءل: أين تقف المعاهدات العربية الإنسانية والاخلاقية والرسمية؟ لماذا لا تسارع بوصفها الدبلوماسي والعسكري والسياسي للتدخل بشكل فعّال؟ لماذا تعتقد كل دولة على حدى أنها غير معنية بما يحدث هناك بعيدا عنها؟

أسئلة قد تبدو سطحية بشكلها المطروح، إلا أنها تحمل بعدا كبيرا يضرب في اساسات التشكيل الحكومي لهذه الدول، فالكثير منها كان صديق الامس القريب، وكانت الابتسامة تعلو الوجوه حين تتصافح الايادي في المؤتمرات والمحافل، والكثير منها أيضا عانى اجداده من بطش الاستعمار وحارب وقاتل كي يحصل على الاستقلال، إلا أن سعير الحرب على ما يبدو، له لسعة حارقة تجعل الكل يقف مكتوف، ساكت، متفرج، آملاً ألّا يصيبه مكروه مما يحدث.

الطامة الكبرى والمحزنة في ذات الوقت، أن الخراب الذي تخلفه هذه الحروب، يسجل خرقاً في جسد الانسانية، بحيث لا يبق الا الشعب أو من تبق منهم، كورقة اخيرة يراهن عليها المجتمع الدولي باعتبارها بطاقة خضراء أو منديلا ابيض يرمز للسلام.

وتعود الاسئلة المتلاحقة: لماذ تندلع الحروب؟ من المستفيد؟ اي مستقبل ينتظر أطفال تلك المدن الجريحة؟ لتبقى ذات الدائرة التي تراوح فيها الخيول، فيسقط عنها ذاك أو يفوز فيها هذا ! صراعات القوى والنفوذ والسلطة التي نودع بها عام، ليهدأ سعيرها حتى تستقبل عاما آخر، والخاسر الاكبر، هو الشعب.