العراق والكويت.. أثمان التاريخ والجغرافيا

آراء 2019/07/01
...

صادق كاظم
لأول مرة وبعد قرابة الثلاثين عاماً يزور أمير الكويت وحاكمها العراق في رسالة واضحة بأنَّ صفحة الغزو المؤلم قد طويت وأنَّ الكويتيين والعراقيين لا ينظرون الى الماضي, بل يتطلعون الى المستقبل وأنَّ الظروف الأمنيَّة التي يعيشها العراق قد أصبحت مستقرة وآمنة. يملك البلدان تاريخاً وتشابكاً اجتماعياً متيناً من علاقات وتقاربات ضاربة في العمق منذ الماضي وحتى اليوم، صحيح انه مرَّت على البلدين فترات من التوتر والاضطراب في العهدين الملكي والجمهوري وخصوصاً في فترة حكم الجنرال عبد الكريم قاسم الذي كان أول من أثار قضية ضم الكويت الى العراق بعد نيلها الاستقلال الرسمي عن التاج البريطاني في العام 1961، إلا أنَّ محاولة قاسم لم تتطور الى غزو عسكري، إذ اكتفى بخطابات كلاميَّة ودعم من الروس خلال أزمته مع الكويتيين لتنفجر الأحداث وبشكل مؤلم وبعد 29 عاماً من محاولة قاسم الى غزوٍ غاشم قام به نظام البعث الصدامي الذي حاول ابتلاع الكويت قبل أنْ يبادر تحالف دولي وعربي بقيادة الولايات المتحدة الى طرده منها وبالقوة. 
لقد تسبب الغزو بذكريات وجروح مؤلمة لكل من العراقيين والكويتيين, إذ تسبب للعراقيين بحصار دولي وعقوبات دولية ظل النظام الدكتاتوري يماطل في تنفيذ الالتزامات المترتبة عنها وتسببت في معاناة إنسانية ظلت تتفاقم وتتزايد وكان النظام وأعوانه أبرز المستفيدين منها، بينما ترك الغزو عند الكويتيين جراحاً عميقة وصدمة احتاجوا الى وقت طويل لتجاوز آثارها.
وضع العلاقات العراقية الكويتية بعد العام 2003 كان مريحاً لكل من بغداد والكويت, إذ تخلص البلدان من نظام قمعي استبدادي متوحش كان يتفنن في صنع الأزمات في المنطقة وإيجاد الذرائع لإشعال الحروب وكانت الفرصة متاحة للتأسيس لعلاقات وعهد سلمي جديد بين البلدين يقوم على التعاون، إذ كانت الكويت من الدول التي رحبت بالنظام الجديد في العراق وقدمت مختلف أنواع الدعم المادي والسياسي للشعب العراقي وحكوماته التي تشكلت لاحقاً, إذ شعرت الحكومة الكويتية بأنَّ أمن العراق واستقراره هو جزءٌ من
 استقرارها.
يبقى ملف الحدود والتعويضات من الخلافات المعقدة والشائكة التي كانت في الماضي سبباً في توتر العلاقات وعدم استقرارها، ورغم أنَّ مجلس الأمن الدولي قد أدار في تسعينيات القرن الماضي عملية الترسيم النهائي للحدود الدولية المشتركة بين البلدين وبشكل صادم للعراقيين ورغم الاعتراضات العراقية بعد العام 2003، إلا أنَّ صدور الترسيم الحدودي من قبل مجلس الأمن جعل من خوض الأمر والنقاش بشأن هذا الموضوع من جديد ومراجعته أمراً صعباً والحال تنطبق على قضية التعويضات المالية المستقطعة من مبيعات النفط العراقي الى صندوق التعويضات الكويتي والمستمر منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
البلدان يتطلعان اليوم الى تعاون اقتصادي صريح وفي مختلف المجالات وتنسيق المواقف بشأن الأوضاع في المنطقة وزيارة أمير الكويت الأخيرة كانت مزدحمة بالعديد من ملفات التعاون في مجالات الطاقة والنفط وخصوصاً الحقول النفطية عند الحدود المشتركة التي ترغب الكويت في تحويلها الى موارد مالية تدار عوائدها بشكل متساوٍ بين بغداد والكويت بدلاً من إضاعة الوقت في نزاعات قانونيَّة مثيرة للجدل بين 
البلدين.
وهناك ملفات للتعاون أخرى طرحت ضمن برنامج الزيارة شملت تفعيل المنطقة التجارية الحرة المشتركة، وتشجيع الاستثمارات، وتسهيل منح التأشيرات، والتعاون في المجالات الاقتصادية 
والتجارية. 
الكويتيون مهتمون أيضاً بإقامة مشروع لربط الكويت بأوروبا عن طريق العراق من خلال إقامة خط للسكك الحديدية يصل الكويت بتركيا، مبدين حماستهم لربط ميناء مبارك الجديد بمدينة البصرة عن طريق سكة حديدية، وذلك لنقل بضائعهم شمالاً إلى تركيا، ومن ثم أوروبا، وأنَّ هذا الخط ينقسم إلى مسارين: الأول اسفلتي أي الطريق الدولي، والثاني حديدي من خلال السكة الرابطة بين العراق وتركيا ويستخدم في عمليات النقل بمختلف
 أنواعها.
الأوضاع في منطقة الخليج والتوتر الإيراني – الأميركي جعل دول المنطقة وخصوصاً العراق والكويت اللذين يحتفظان بعلاقات جيدة مع كل من طهران وواشنطن تشعران بالقلق من ارتفاع منسوب التصادم والرغبة في تنظيم حوار ولو بشكل سري بين البلدين من أجل تبريد النزاع ومحاصرته ومنع تطوره الى صدام عسكري لا تحمد عواقبه, خصوصاً أنَّ أي صراع عسكري إيراني – أميركي ستكون له نتائج خطيرة على دول المنطقة والتي ستضرر منه اقتصادياً وأمنياً.
بعيداً عن حسابات وحساسيات السياسة والجغرافيا فإنَّ التعاون والتنسيق المشتركين بين البلدين في مختلف المجالات والملفات يعدُّ السبيل المضمون لجعل العلاقات بين البلدين تسير نحو الطريق الصحيح وربما إمكانية تأسيس تجمع أو كيان اقتصادي مشترك بين البلدين شبيه بالخطوة التي أقدم عليها في الماضي كلٌ من الألمان والفرنسيين الذين ألقوا بنزاعات وخلافات الماضي وراء ظهورهم التي كانت مثقلة بثلاث حروب وغزوات مريرة لتتحول الى تعاون حميم تطور لاحقاً الى اتحاد أوروبي يعدُّ اليوم من أضخم وأقوى الكيانات السياسية والاقتصادية في 
العالم.