أهميَّة أن نرى ما وراء ذلك

ثقافة 2024/12/30
...

  ياسين طه حافظ

كان بإمكاننا افراداً مثقفين أو يتصلون بالثقافة، أن يكون لنا دور واضح في الإصلاح الاجتماعي وفي تعميق الوعي العام. وهذا امر يحتاج إلى تأكيد رأي ثم تأكيد حضور، وأيضاً إلى تغيير المفهوم- ما المقصود "بالدور في الاصلاح الاجتماعي.."

ما يؤسف له، أو ما هو عيب مزمن، أن نقول ونفعل بحافز شخصي مضمر ونفهم المقترح بأثر شخصي. معنى هذا هو فعل العاطفة وتحييد العقل.. وهنا نخسر الرأي ونفقد غالباً التوافق. علماء النفس يفسرون معارضة وكآبة الادب هذا التفسير: أننا فعلنا وأن ضرراً لحق بنا، أو ليس هذا المقصود، هذا الذي نخشى منه! 

المثقف بسبب ثقافته الخاصة يختلف فهمه واهتمامه عن غيره، فيكون عادة صاحب رأي مختلف و "المختلف" "يستفز" اذن نحن بين الشخصين العاطفي والشخص العقلاني له صفة مرافقة انه "يستفز". 

كان هذا التمهيد ضرورياً للتصويب لا الرأي حسب ولكن الفهم والاستجابة ايضاً. التجربة  السياسية الاخيرة التي مرّت، وتمرّ بها المنطقة، أيقظتنا بعنف مؤلم. ومن إيلامها كل فئة، وكل طرف، يتذكر ما أضاع سدى وان بلده، ناسه، حكومته، ما أولوا ولا يولون المتوقعات، أو المشكوك بحدوثه، اهتماماً، ولا يعدون له من الاستعداد والجاهزية ما يكفي لتلافي ضرره أو خطره. وهنا يُحْجَب الدور الفردي. فللطارئ ما يسنده، وهو عادة بعض من عمل استراتيجي مموّه بسواه. كما انه لا يأتي بوقت خاص به ولكنه يصحب الاهتمامات اليومية، هو لا يبتعد عنها ويبرز كثيراً في الأحداث الصعبة. هنا الفرد يعمل كوحدة تخريبية أو مستفيدة. 

اول ما انتبهت له شخصياً، هو كم هي الاموال، كم هي المليارات، التي أضعنا خلال اكثر من خمسين سنة سلفت. وفكرت بعشرات المؤتمرات والندوات واللجان، وعشرات المهرجانات والجلسات والإيفادات الطارئة والبَطِرة...، وكل المشكلات الأساسية التي نشكو منها اليوم بقيت على حالها وما فكرنا بما قد تتعرض له البلاد أو ما يصيب الناس، والاحداث السياسية، والكوارث إن لم تأت اليوم تأت غداً. ايضاً نحن مع كل هذا الهدر، أو الكرم، وحتى اليوم بلا دولة مدنيّة مستكملة لاحتياجاتها الاساسية، ولا تفاهمات اجتماعية أو مصالحة وطنية أو تطوير ثقافي حقيقي ولا تطوير اكاديمي عميق مناهجَ وانظمةً ولا تطوير صناعي مهم. لسنا ابداً، ابداً ضد المهرجانات ولا ضد المؤتمرات ولا حتى الصرف على مناسبات للخطابات والزهو الفردي أو الرسمي. ولكننا نريد ان نؤسس على نتائج علمية جديدة، وعلى وفق ما توصل له العصر في نشاطاتنا ومؤسساتنا الثقافية والعلمية، فتكون لنا مما سبق برامج وتخطيط يعتمد أفكارا حديثة نلمس بعد سنوات قليلة جدواها، ونرى تطوراً بعقب التوصيات. الفرد هنا محرّض مستفيد، وليس ناقداً اجتماعياً، فهو يسعى لأي مناسبة يدعى اليها دونما أي تفكير أو اهتمام بأهميتها العلمية أو جدواها. 

خلاصة الامر: إن المهم ليس صرفا أو هدر الملايين والمليارات ولكن المهم هو هزال النتائج والجدوى وارجاء ما هو مهم بسبب ما هو عابر وقليل الأهمية. والا فأي مؤتمر ثقافي أحدث تأثيراً وكان سبباً في تطور أو تقدم ثقافتنا؟ الفرد هنا عابث مستفيد. والجدوى شأن ثان..، وأي مهرجان صناعي أو تجاري غيّر من مستوى صناعتنا وعملنا التجاري ومداه؟ غالباً ما تكون هذه خطابات وكلمات بمستوى مقالات صحفية، بل أقل، أو هي كلام لا جديد فيه . انتهت ايام المؤتمر، أو المهرجان، انتهت الوجبات، انتهت "الفرص" وانتهى معها كل شيء وعاد الأفراد من "مهمتهم" المريحة، فالمناسبة ذكرى. 

هذا أمر لا يرتضيه أحد. واذا ارتضاه لدافع أو "حافز" شخصي، فلا يرتضيه منطق أو عقل. نعم، نريد مؤتمرات، مهرجانات، ندوات، جلسات نقاش، ولكن لا نريدها لهواً واستعراضات، نريد منها نتائج، دراسات عملية وتوصيات تُطوِّر العمل أو الفن أو الاقتصاد والصناعة... من كل ما أُقيم وتمّ، بأسمائها المتعددة، مهرجان أو مؤتمر أو جلسة أو اصبوحة أو "تلميحة"..، ماذا غير ما نعرفه ونألفه، بل ما مللنا منه؟ لا أريد وأقول: هو هذا المطلوب! إشغال الناس وإلهاؤهم عن المعضلات الكبيرة، فلا منتبه لفقره ولتخلفه المدني ومحنته في حالات المرض الصعب والعيش الصعب. بدلاً من هذا إشغاله بخطابات ودوشة مناسبات. 

أحدّد اكثر وأُضيف، هو فقر ثقافي تكشفه بوضوح موضوعات هذه المؤتمرات ومضامينها.. مرة سألت مثقفاً، إن شحت القضايا المعاصرة المهمة، لِمَ لا تفكرون بما يتأصل ويتجذر في مدينتكم من ظواهر، اجتماعية أو طبيعية أو ثقافية خاصة واكثر وضوحاً؟ ففي البصرة، مثلا، يتجذر اتجاه لغوي، البصرة أصلاً مركز لغوي "مركز لساني" وكم مفيد مريح  ان يتبنوا موضوعاً لغوياً في زمن اللسانيات. المدينة صاحبة منهج لغوي ومدرسة في النحو، ويمكن فيها أن نتدارس الشخصيات المهمة في تاريخها الثقافي في ضوء الفكر اللغوي، اللساني الحديث. مثل هذه الاسئلة وشبيهها، يوجه لبابل – الحلة- ولميسان والموصل. لماذا الموضوعات العامة؟ العام عادة مدرسي! والجديد مفيد. ومهم ان تكون مناسبة، مؤتمر أو ندوة، عن ظاهرة ثقافية محلية في الموضوعات القديمة أو الجديدة فيها، عن شخصية ثقافية مؤثرة  في تاريخها أو حاضرها، عن منجز محلي يرسم ظاهرة أو يضيف امتيازاً، امتيازاً محلياً يستحق الحضور الواضح في البلد أو في العالم. والموضوعات والظواهر كثيرة، جديدها وقديمها ووعود المستقبل. وعلى أن تكون الدراسات على وفق الاتجاهات العلمية الحديثة. نريد افاقاً جديدة. اعتقد بأن مجموع الاهتمامات بالمضامين الثقافية والاجتماعية وبالتاريخ السياسي وشخصياته في كل مدينة، سيمنحنا من بعد ارشيفاً حديثاً ومدوّنات كتبها عصرُنا. 

إضاعة الوقت لا تُرضي أحداً. والانشغال بما لا يؤسس ولا يطور ولا ينفع الثقافة أو المجتمع لا يرضي أحداً. لكن عدم العمل أمر مؤسف ايضاً..

تحياتي واكباري لمن يُسهم ويشارك ويحضر، لكني يفرحني التساؤل عما يجدي ويطوّر ويغني. بعض المؤتمرات والندوات لغو محض، في الثقافة والسياسة، لاسيما تلك التي تعقد في المناسبات. هي تكلف مالاً وتكلف وقتاً، وتخرج منها بأسف! مفرح أن يكون شعارنا في العمل والثقافة، ومن اليوم، ليكن العمل مجدياً ومع الجديد في العلوم والأفكار.