السليمانية: سينما
منذ طفولته ولع المخرج الكردي سينا محمد
(36 عاماً) بكاميرا ابن الجيران، التي صور فيها يوميات {الولدنة} في قريته الشمالية، ليحصل بعدها على كاميرته الخاصة، التي لازمته إلى يومنا، لم يكتف باقتناص اللحظة وتوثيقها، إنما سجل حركتها أيضاً، فراح يصور يومياته وأسرته وأصدقاءه، ثم يمنتجها ليحولها إلى قصص ذات إيقاع وحبكة.
أكمل دراسته العليا بعيداً عن السينما، لكنه امتهن تصوير الإعلانات وإخراجها، فضلا عن تأسيس شركة لدبلجة الأفلام،"الصباح" التقت المخرج السينمائي الكردي سينا محمد في السليمانية، الذي فاز فيلمه "سعادة عابرة"(2023) بجائزتين في مهرجان الجونة السينمائي بدورته السادسة، فكان هذا الحوار:
• ما هي تجربتك الأولى في السينما؟
- تجربتي الأولى كانت محاولتي إخراج أول فيلم روائي قصير وأنا في الصف الأول المتوسط، بلا خبرة، ولا علم بأمور صناعة الفيلم، إذ صورت أصدقائي في سفرة ترفيهية، ونجحت في ترتيب اللقطات وفق إيقاع وسياق متعاقبين، فجاءت النتيجة مشجعة، هذا الفيلم كان نقطة تحول في حياتي، ومنذ ذلك الوقت صارت السينما قدري.
• هل درست السينما؟
- أنا هاوي سينما، وثقافتي جاءت من تجاربي، وهوسي بالتصوير الفوتوغرافي، إذ درست صناعة الأفلام من خلال الكتب والورش والمشاركات في المهرجانات، وقد تتلمذت على يدي صناع سينما كبار، أثروا بي كثيراً، وعلموني صناعة الأفلام، منهم عباس كياروستمي، وأصغر فرهادي، فضلاً عن صناع سينما أتراك وأوروبيين.. وكل هذا لم يكن يحدث لولا أنني امتهن صناعة الإعلان ودبلجة الأفلام، وما زلت أطور تقنياتي في صناعة الأفلام الوثائقية والروائية.
* معظم أفلامك وثائقية، وقليل منها روائية حدثنا عن ذلك؟
- أتفق معك أن معظم أفلامي وثائقية قصيرة، لأنني أعيش في منطقة ملتهبة متسارعة الأحداث، ومعظم المتغيرات والأحداث التي عصفت بالعراق، كانت كردستان قريبة منها، وهذا يجعل السينمائي يتفاعل مع ذلك، فأنا أخرجت أكثر من 35 فيلماً وثائقياً متنوعاً، و7 أفلام روائية قصيرة، عدا فيلم "سعادة عابرة" الذي شارك في مهرجان الجونة وفاز بجائزتين.
* حدثنا عن فيلمك "سعادة عابرة"؟
- الفيلم من تلك القصص التي أسمعها، أو أشاهدها ثم أحفظها وأعيد إنتاجها، ويحكي قصة زوجين مسنين يعانيان بروداً في العلاقة، فالزوج منهمك في عمله، الذي يتطلب منه الانتقال بدراجته النارية إلى القرى البعيدة لبيع لحوم حيواناته التي يربيها، إذ تراكمت الخلافات في بيتهما الريفي الجميل (البيت أثثناه بحسب ما تريد العجوز وحديقة البيت زرعناها واحتجنا لسنة حتى تزهر) المرأة المسنة تعاني من الإهمال ويحزنها صدوده رغم أنها تفعل كل شيء، تمرض في أحد الأيام فيضطر إلى اصطحابها خلفه في دراجته ويقول لها احضنيني، هذه الكلمة تبعث في روحها الأمل وتنسى مرضها، فتهمس له: "ارجعني إلى البيت لقد
شفيت".
الفيلم تحدثت فيه عن عذابات المرأة في الريف وتحملها الصعاب وعدم اهتمام
الرجل بها..
*حدثنا عن كواليس الفيلم وكيفية إنجازه؟
- أحرص على تسجيل ما يحصل حولي.. فأنا لا أفكر بالخطوط السردية المكتظة، فكرة الفيلم سيطرت على ذهني ولم أستطع النوم. وبدأت التحضيرات، لاقيت صعوبة بالتعامل مع فريق العمل، ففي يوم التصوير كنت متعاقداً مع ممثلة شهيرة، لم تحضر إلى الموقع، ما جعلنا نؤجل التصوير لفترة، وحصل ما لم يكن في الحسبان إذ تعرفت على سيدة عصامية، اعتمدت على نفسها، وقصتها قريبة إلى قصة الفيلم تعايشت معها لمدة 3 سنوات وأصبحت جزءاً من أسرتي، والبيت أثثته السيدة حسب ما موجود في بيوت القرى الكردية،
وتم التصوير خلال ثمانية أيام.
• دائماً ثمة ملهم في عالم السينما الساحر والمتنوع، من ألهمك؟
- تأثرت جداً بالأفلام التي يصنعها المخرج السويدي انغمار بيرغمان، الذي تبحر بالنفس الإنسانية واقتفى أثر أحلامها وخيباتها وأملها، وفقاً لمنظور فلسفي عميق، ومن جهة أخرى ألهمني المخرج الإيراني الراحل عباس كياروستمي عشق الحياة من خلال السينما، فسينماه بسيطة وعميقة في الوقت ذاته. ومن حسن حظي أنني تتلمذت على يديه.
• هل يمكن القول إن هنالك سينما كرديَّة؟
- أنا أيضاً أتساءل، هنالك سينمائيون يقولون بوجود سينما كردية، لكني أرى أن لدينا صناعة أفلام، ولكي تكون لدينا سينما كردية فهذا يحتاج إلى وقت، قد يتجاوز الـ 25 عاماً، شرط أن تتوفر الخبرة والبناء الصحيح للمؤسسات الإنتاجية، فضلاً عن أفكار متطورة ودعم حكومي، اليوم لا نمتلك الكثير من المخرجين، لذا من السابق لأوانه القول بوجود صناعة سينما كردية.
*حدثنا عن مشروعك السينمائي المقبل؟
- تشغلني الأماكن والناس وحركة الحياة في وطني. أحياناً أزور بغداد وأبحث في معالمها. أنظر إلى الفنادق والبيوتات القديمة، فأتخيل أي الناس كانت تسكنها، وأي حياة ضاجة كانت فيها، مشروعي المقبل سيكون فيلماً عن هذه "النوستالجيا" التي تثيرها تلك الأماكن.