الحب والوجود

ثقافة 2025/01/07
...

 محمد جلال الصائغ


تدور رواية "زوربا اليوناني" للكاتب نيكوس كازانتزاكيس حول محورين  رئيسيين يلخصان الحكاية وهما الحب والوجود، حيث يتجسدان في حياة ومغامرات الشخصيتين الرئيسيتين فيها باسيل راوي الحكاية وصديقه الجديد زوربا الذي التقاه على سطح سفينة في يوم عاصف ماطر.  

تجمع الرواية التي صدرت بطبعتها الأولى في العام 1946 ما بين الفلسفة العميقة والحياة اليومية التي قد تكون سطحية جداً، حيث تقدم رؤية  للحب والوجود عبر علاقة الصداقة القائمة بين شخصيتين على طرفي نقيض، فباسيل وهو يمثل الشخصية المثقفة المهتمة بالقراءة والمُحِبة للانعزال عن واقعها، ويقابلها ويعاكسها تماماً زوربا بشخصية الإنسان البسيط، الفوضوي، المنغمس في ملذاته والذي قد يميل إلى الجنون أحياناً في محاولته لأن يعيش حياته بكامل تفاصيلها المتاحة.

 يظهر الحب في الرواية بأشكال كثيرة فالحب عند زوربا هو تجربة حياتية يجب الاستمتاع بها، حيث يُظهر حبه للنساء وللحياة بطرق عفوية وبسيطة جداً، هذا الحب لا تحدده العلاقات الرومانسية فقط، بل يمد جذوره لكل ما هو جميل وممتع،  فزوربا يعشق الحياة بكل تفاصيلها الهامشية ويعبر عنها من خلال الغزل والرقص والموسيقى والعمل متفاعلاً مع محيطه بشكل كبير. أما شخصية باسيل فالحب بالنسبة له أمر معقد حيث ينتاب باسيل الكثير من التردد والخوف اللذان يمنعانه من ولوج الحياة، لهذا فهو يعبر عن الحب من خلال الشعر والفلسفة، ويتعرض لصعوبات كثيرة تمنعه من التعبير عن مشاعره بشكل مباشر كما

زوربا. 

نتيجة لتلك العلاقة بين باسيل وزوربا يتعلم الأول أن الحب يجب أن يعاش بكل تلقائية وعفوية وشجاعة، لا أن يكون خاضعاً للتفكير الفلسفي فقط، أما الوجود في الرواية فهو محور رئيس يتم استكشافه من خلال حياة زوربا وباسيل، فزوربا الذي يمثل وجهاً من وجوه الفلسفة الوجودية البسيطة التي تعتمد على اقتحام اللحظة بكل تفاصيلها بعيداً عن أي تردد أو تفكير قد يضع العقبات أمام الحياة، فالوجود بالنسبة له هو تجربة يومية تغمره بمشاعر متناقضة من الفرح والحزن والنجاح والفشل.

أما باسيل فهو على النقيض تماماً، إذ أنه يعيش في عالم من الأفكار والتأملات وهو غارق في كتبه وفلسفاته، فيجده زوربا شخصاً غريباً عن الواقع ويعمل على مساعدته للخروج من القوقعة الفكرية التي اختار حبس نفسه داخلها ليتذوق ملذات الحياة بشكل 

مباشر.

 من خلال لقاء زوربا يبدأ باسيل في فهم الوجود ويدرك أنه ليس قضية فكرية فقط، بل  تجربة حية وشعور حقيقي بالحياة.

 يتعلم باسيل من زوربا  أن الحب يجب أن يكون جزءاً من وجوده اليومي، وليس مجرد فكرة تدور في مخيلته، ويجسد زوربا حب الحياة والعمل والنساء ويبين لباسيل أن الحياة تستحق العيش بكل تفاصيلها.  في نهاية الأمر يدرك باسيل أن الوجود الحقيقي في هذه الحياة يحتاج لشجاعة تمكنه من مواجهتها بحب وفضول 

وجنون.