علي حسن الفواز
لم يعد الإرهاب محدوداً في مساحة معينة، ولا عند حدود مغلقة، بل أضحى مفتوحاً على جغرافيات الدول، ويهدد أمنها وسلمها الأهلي، لأنه يتغذى على ثقافة عصابية، وينهل من عقلية تجد في الكراهية تمثلاً لسلوكها، حتى بات يستفز العالم ويضع الجميع أمام مسؤولية مواجهته، ولعل ما حدث في مدينة "نيو اوليانز" الأميركية يكشف عن تمدد هذا الإرهاب، وعن خطورة تحولاته، وعبوره إلى مساحات وبيئات أخرى، معلناً ظهور عدواه وأعراضه في قلب الرأسمالية العالمية.
ما كشفته التحقيقات يؤكد الطابع الإرهابي لهذه الجريمة الكبيرة، فالإرهابي وهو "عسكري سابق" ولد في الولايات المتحدة، وشارك في حروبها، وحصل على تقييمات عسكرية، لكن عقله السلفي التكفيري جعله ينحاز إلى ممارسة الكراهية علناً، فأطلق العنان لسلوكه الإرهابي، للتعبير عن أفكاره ومواقفه، فضلاً عن إصراره على الاحتفاظ بأدوات جريمته، كإشهار ثقافي ورمزي لتمثيل هذا الفكر الظلامي، فعلم داعش، ومواد صنع القنابل والعبوات الناسفة كانت في سيارته، وهي علامات دالَّة على هوية الإرهاب كما سوّقتها البروبغندا الأميركية ذاتها.
رسالة أحداث نيو اوليانز موجهة إلى الحكومة الأميركية، وإلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، فهي تحمل معها رمزية التمدد الدولي لهذا الإرهاب الذي تقف وراءه أجندات معروفة، وأن خروجه عن السيطرة، يفضح كثيراً من أغطيته، كاشفاً عن أخطار "المسكوت عنه" في الصراع الفكري، وفي توصيف المرجعية الثقافية التي تسوّغ له، وتوظفه في صناعة الكراهية والحروب الأهلية، وفي تهديد الأمن المجتمعي والتعايش لكثير من الدول.
لقد تحولت هذه الجريمة إلى فضيحة رأي عام، وإلى تهديد حقيقي لما يسمى بـ"الأمن الأميركي" وللسياسة الأميركية التي قد تخفي كثيراً من الإرهابيين والتكفيرين، والذين قد تستخدمهم كأوراق ضغط على الآخرين، أو في أجندات لها ظروفها وحدودها وتوقيتاتها، إلا أن ظهور هذا الإرهابي، وفي هذا التوقيت، وطبيعة مرجعيَّته العسكرية، تؤشر إلى أنه لن يكون وحيداً، مثلما لن يكون بعيداً عن المؤثرات السياسية والأمنية والآيديولوجية، وهذا ما بدا واضحاً من خلال التعتيم على طبيعة التحقيق الفيدرالي في الجريمة، وعلى هويات المحققين في الحادث، والذي يؤشر حجم التحديات التي تنتظر الرئاسة الأميركية المقبلة، وعلاقة هذه التحديات بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، من تداعيات يمكن أن تنفجر في أية لحظة، مع وجود أرضية للجماعات الإرهابية المدعومة من هناك أو هناك، والخاضعة إلى حسابات الأجندات الدولية والإقليمية.