بغداد: نوارة محمد
نوادي الكتب في العراق تشكل جزءاً من المشهد الثقافي في أعوامه الأخيرة، فهي تعكس حركة القراءة والتفاعل مع الكتاب بشكل جماعي، مباشر، وتشاركي، وتجسد نوعاً من التوثيق الثقافي الذي يشغل شريحة واسعة من المهتمين بهذه النوع من النشاطات ممن وجدوا أن فعل القراءة الجَماعي يمارس بشكل أو بآخر دوراً تفاعلياً ومهماً في الواقع الثقافي. فما مدى أهمية هذه النوادي الثقافيّة؟
مناقشة الأفكار
ويعتقد صُنّاع الأندية الثقافيّة أنّ هذه المساهمات فضلا عن دورها في الحركة الثقافيّة عموماً، لكن أثرها في توفير مساحة للأفراد لمناقشة أفكارهم وكتبهم وقراءاتهم لا يكاد إلا يظهر واضحاً، إذ يقول الباحث والأكاديمي حارث الهيتي وهو مؤسس نادي القراءة الذي يُعد جزءاً من فعاليات مؤسسة (أنا عراقي - أنا أقرأ) الثقافيّة إنّ "الأمر برمته هو ترويج للقراءة والكتاب، الأندية الثقافية إتاحة لخلق تفاعُل بين القُرّاء والكتّاب وما يدعم هذه العملية، إنّنا لا نقيم جلسة إلا وصاحب الكتاب موجود بيننا، وهو ما يتيح فضاءً نقاشياً معرفياً بين الكاتب وجمهوره، المشاركون معنا ليس عليهم أن يكونوا قُرّاءً، كلّ ما يحتاجون إليه ليُصبحوا أعضاء هو وجود مَيل نحو القراءة وحاجتهم إلى مجتمع من القرّاء يتفاعلون معه".
ويضيف الهيتي أنّ "هناك عناوين غير قابلة للبحث، نحن نُؤمن بالآخر مهما كانت أفكاره، وبالحوار مهما اختلفت الرّؤية ولعلّه من أهمّ الأسباب لنشوء هذا النّادي هو تحسين قدرة الفرد على سماع الرأي المختلف وقبول وجهات نظر مغايرة والعيش مع الآخر. لكنّنا نقرأ بالمجمل الرواية وكلّ شيء خارج هذا النطاق في الوقت الحالي لسنا بصدد التركيز عليه".
تجربة حياتيَّة
ويرى الشاعر شُبر وجيه أنَّ فعل القراءة بحد ذاته هو إضافة إلى الشخص في تعلّمه وتهذيبه، فضلا عن أنّها تفتح أبواباً كثيرة في طريقة التفكير وتتيح للمرء رؤية الأشياء من زوايا عدة، هذا الأمر لا يأتي إلّا بالقراءة الجادة وتجربة المرء في الحياة. ومع غياب الدور الرئيس للدولة بالاهتمام الفعلي بالقراءة والتشجيع لها، وهذا الشيء يأتي أولاً من تأثير المدرسة حتى يبلغ الطالب المرحلة الجامعيَّة.
ويقول إنَّ "للأندية الثقافية وجلسات التوقيع ومعارض الكتب تأثيراً في الحركة الثقافيّة العراقيّة، ربما ليست بالمستوى الذي نتمنى أن يكون حال الكتاب في العراق، لكن كلها جهود تصب في مصلحة القارئ.
ويضيف: ولأنّي أحد الأشخاص المساهمين في الوسط الثقافي من خلال تأسيس منتدى أطراس والذي كانت فكرته بالاحتفاء بشخصية أدبية، من خلال قراءة وافية لكافة أعماله والحديث عنها بجلسات عفويّة نقدم فيها المعلومة والشرح والتحليل بطرق متعددة، مع وجود متخصصين ومحبين للشخصية، فالجلسة الواحدة تكون فيها مداخلات من كافة الأجيال من أجل تعريف الأسماء المهمة للأجيال الجديدة فضلاً عن التطرّق إلى هذه الشخصيات من الزوايا كافة.
ويتابع وجيه: وهنا أودُّ أن أذكر رأي الشاعر الروسي فلاديمير مايكوفسكي في الأمسية الأخيرة له وكانت فكرته حول الشعر، ربما حديثه ليس عن الشعر فقط، عن الثقافة والفرق ما بين النخبة والطبقة العاملة، تحدث بها عن ضرورة إيصال الشعر الأصيل إلى الناس كافة وخاصة الفلاحين وضرورة تثقيفهم وتعليمهم، خاصة مع ظهور نوعين من الشعر، الأول: الشعر الذي يوجه للنخبة فقط، والثاني الشعر الذي يوجه للناس مع تدنٍّ في المستوى، حاول مايكوفسكي ان يجد منطقة مشتركة بإيصال الشعر لجميع الناس من دون أن يفقد شيئاً من قيمته. لذلك المنطقة الوسطى التي أحاول خلقها في هذه الجلسات هي ما تجعل الشباب والنخبة موجودة في النوادي والمنتديات والمشاركة تحت عنوان إثراء الثقافة العراقيّة بالأدوات المتاحة.
ويعود وجيه للقول إنّ "لجلسات القراءة الجماعيّة لها فائدة كبيرة، أجيالٌ وتوجهات وطرق تفكير مختلفة تجتمع على طاولة واحدة لمناقشة وتحليل كتاب معين، يتيح للمرء التعرّف إلى الكتاب بشكل أفضل مع المشاركة والإضافة والفائدة التي يكتسبها المرء ويعطيها. وفي الآخر كل مساهمة بسيطة من أجل رفع راية الفكر والكتاب والمشاركة مع الآخر هي من أجل مستقبل جيد في الثقافة العراقية".
حركة محدودة
أما ريتاج حيدر وهي عضو في نادي غوتا الالماني فتقول إن "حركة نوادي الكتاب ما زالت محدودة في المدينة، وهي إلى حدّ ما وبالشكل الذي نراه لا تزال ظاهرة مقتصرة على النخبة المثقفة في المجتمع، لم تلقَ رواجاً واسعاً الى الآن".
لافتة الى أنّ نوادي القراءة فكرة مهمة تحتضن الكُتاب والقراء وهي تؤدي دوراً فعّالاً في عملية القراءة التي يحتاجها العالم بشكل عام، والشباب والفتية بشكل خاص، مؤكدة أنّ "هذا النشاط يشكل جذباً لروّاد الفضاء للإطلاع أكثر وهو ما يجعل المجاميع أوسع، فضلاً عن أنّ نشاطات استضافة الكُتّاب تُعطي حافزاً كبيراً للمشاركة، خصوصاً أننا نحاول أن نروّج لمجموعتنا بين القرّاء بمرونة وأريحيّة مطلقة من دون أي تدخّل، ونحاول أن نوفر الكُتب بشكل مجاني سواء كان ورقيا أم الكترونيا".
الإثراء المعرفي
يتحدث الشاعر حسين المخزومي، وهو مؤسس نادي مكتبة الفريد سمعان في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عن الهدف الأساس الذي دفعه وزملاءه لاستحداث النادي قائلاً إنّ "بغداد مدينة عريقة عرفت بالثقافة والتاريخ التنويري الكبير، لكننا للأسف لا نجد مكتبات عامة متكاملة من حيث التصميم وغنية بالمصادر الأدبية والمعرفية بشكل عام، وهو ما دفع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق إلى تأسيس هذه المكتبة".
ولأنّ اتحاد الأدباء اليوم يُعدّ واحداً من أهم المؤسسات الثقافيّة في العراق، كما يضيف المخزومي، فقد بات من الضروري استحداث رواق جديد في أن تكون مكتبة عامة شاملة مجانية باسم الشاعر القدير ألفريد سمعان، حتى تكون قبلة لمحبي القراءة والباحثين وتوفر مناخاً صحيّاً للمطالعة والقراءة بشكل عام، فالمكتبة غنية حيث تضم 15 ألف كتاب.
ويؤكد المخزومي أنّ "الهدف الأساسي هو الإثراء المعرفي واستقطاب القرّاء من باحثين وطلبة بجميع اهتماماتهم وتوجهاتهم للاستفادة من أهم المصادر المعرفيّة الموجودة، خصوصاً أنّ القراءة بشكل جماعي لها فوائد عدة ينتج عنها تلاقح الأفكار وتبادل المعرفة والخبرات السابقة بين الأجيال".
ويرى المخزومي أنَّ هذا الاختلاف له دور أساسي وكبير في تشكيل الأفكار بطريقة أسرع. ويتابع: هي تثري المعرفة لأنك تناقش الأفكار من مختلف الزوايا وتتلقى مختلف وجهات النظر وهذا يجعلك ترى بشكل أوسع ومن ثمّ يستفيد من ذلك المبتدئ بالقراءة ويشجّعه أكثر ويرسّخ فيه عادة القراءة بشكل أكبر وخاصة أن المعرفة اليوم تقرأ وتسمع وترى.