نزار عبد الستار
في حياة الروائي العبقري فترة يلامسُ فيها الكمالَ الإعجازي. يحدثُ هذا عندما تكون الفكرة أقلَّ بكثير من القدرة الإبداعيَّة، فيلجأ الروائي إلى اللعب وابتكار حيلٍ سرديَّة يغطي بها الثغرات غير المنطقيَّة التي تعترض العمل. إنه استعراضٌ مشروعٌ، سواء جاء هذا على مستوى اللغة أو الوحدة السرديَّة.
دائماً ما يلجأ غابرييل غارسيا ماركيز إلى تشظية البؤرة باللامعقول؛ مثل طيران ريميدوس وهي تنشر الغسيل أو الموت المتكرر للطاغية الكاريبي. وعلى مستوى العقدة السرديَّة نجدُ أسلوبَ تمزيق النسيج حيلة تعدُّ دارجة بين النخبة من الروائيين الأفذاذ حين يشككون القارئ بفهمه ويعمدون الى الغموض لتقوية الخلل المنطقي.
يشعرُ الروائي المتمكن بمتعة بالغة حين يستعرضُ قدراتِه ويسدُّ ثغرات قصته بمتاهة افتراضيَّة تشتت القارئ وتستردُّ انتباهه. إنَّ استعادة التركيز واحدة من الستراتيجيات المتبعة عند الكبار، فالسارد العبقري يمتاز باكتشاف أماكن الترهل وتشخيص مستوى الشد، فيعمد إلى فتح مساراتٍ جديدة للأحداث ويغير في وجهات النظر كي تتوافق مع مفهومه الترفيهي.
خورخي لويس بورخيس واحدٌ من أكثر الكتاب شعوذة، فهو يعتمدُ التسطيح لتحقيق الانحراف أو السقوط السردي، ففي كتابه (تقرير برودي) هناك نسبة عالية من الإقناع والمنطقيَّة ولكنَّه مثل صانع الفخاخ لا يشذ عن بيئة الفهم ولكنه ينقضُّ فجأة ليبتر الأقدام بالأسنان الحادة.
الفوقيَّة التي تمارس في النضج الفني تشبه القدرة الاقتناصيَّة للاعب كرة القدم أو خفة اليد بالنسبة للساحر المتمرس. كثيراً ما يلجأ الروائي المخضرم إلى الاعتماد على مهاراته لكتابة رواية غير معتادة. هذه الانحرافات تأتي مع التقدم في الكتابة ومع تحقيق العلامة الفارقة على مستوى التأريخ الأدبي، فواحدٌ مثل آرنست همنغواي لا يمتلك أي حيلة جديرة بالملاحظة؛ لأنَّه يعتمد كلياً على عينيه في الكتابة، بينما ماركيز اللعوب يعتمد على موهبته في إطلاق النكات الفاحشة. إنها ملكاتٌ تتباين بين موهبة وأخرى ولا يمكن تعميمها بالمطلق.
العديد من العباقرة يعانون من هوسٍ ما. هنري جيمس كان يحبُّ الأثاث والسجاد، بينما بلزاك يشعرُ بالإثارة من طرز البناء ومأخوذ بالملابس. العبقريَّة هي كيفيَّة استغلال الشقاوة الكامنة بجدران الأوردة. تلك الرغبة التي لا تشيخ في مسك القارئ من أذنه وقيادته إلى المتعة.