علي لفتة سعيد
لا دولة من دون عمالة أجنبية، لأنها تحتاج إلى أيدي عاملة في مجالات محددة لا تتوفر في شبابها، أو أنها من المهن التي تجددت في بيئة الدولة، وخاصة الأعمال الكبيرة والشاقة، فتستعين بالأيدي العاملة. وتلك من مميزات استقطاب هذه الأيدي لتشغيل الفعاليات الإنتاجية أو الخدمية أو أي مهنة أو عمل لا تتوفر فيه الأيدي العاملة في الداخل. أما في العراق، فإن الأمر يبدو مختلفاً؛ فالأبواب مشرعة، وفتحت معها أبواب أخرى يتمكن من خلالها العامل من الدخول خلال مناسبات معينة، أو لسهولة الحصول على الفيزا. لذا نرى هذه العمالة في كل محافظة، بل في كل مدينة من المدن العراقية، ووصلت إلى القرى والأرياف، وهي تمارس عملاً ليس شاقاً أو غير موجود بالأيدي العراقية، وإن بالإمكان أيضاً أن يكون الأصل تشغيل الأيدي العاملة العراقية وتخفيف نسب البطالة، على الأقل في الصورة الظاهرة التي يمكن لأي أحد أن يفكر بهذه الأعداد التي دخلت العراق. وتقدر، بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، هذه العمالة (واحدة من القضايا الساخنة بحاجة إلى علاجات حقيقية، ونحن مهتمون بهذا الموضوع ونعمل عليه بجد). وهي، أي الوزارة، تقول (لا توجد لدينا إحصائيات رسمية للعمالة الأجنبية في العراق)، لكنها تقدرها (بأكثر من 800 ألف إلى مليون عامل أجنبي في البلاد، حسب إحصائيات غير رسمية، والمسجلون منهم بالضمان الاجتماعي 43 ألفاً فقط). والحقيقة أن الرقم أكثر من ذلك، لأن هناك عمالة غير مسجلة وهي مخالفة للقانون، خاصة أن الوزارة تقول إنها تعطي سببين لدخول العمالة: الأول، وفقاً لتراخيص السياحة والزيارة والفيزا المتعددة وغيرها، وهي التفاف على القانون. والثاني، العديد من العمالة السورية في المطاعم والمحال والأسواق، وإقامتهم غير قانونية، لا وفق قانون العمل، ولا قانون الإقامة في وزارة الداخلية.
وأمام مقولة إن مقابل كل عامل أجنبي يقابله عامل عراقي، فإن هذا الرقم سيزداد. مثلاً، في محل بقالة أو بائع أعشاب أو مشغِّل مولدة، وغيرها من الأعمال البسيطة التي يفضلها صاحب العمل على العراقي لأنه أرخص، ومضمون، ويعمل صامتاً أيضاً في المكان، ولا يتطلب وليست له مشكلات.
ولكن الأمر له أبعاد اقتصادية، لو استبعدنا المشكلات والأبعاد الأخرى، ومنها ما يؤثر في الدولار من خلال تحويلات العملة إلى دول هذه العمالة. ولو أخذنا حقيقة الرقم الذي قربته الوزارة، فإنه لو كل عامل يحول شهرياً كمعدل عام 400 دولار، فهذا يعني أن 400 مليون دولار شهرياً، وهو يعني مليارات الدولارات سنوياً. إن هذه العمالة تستنزف العملة الأجنبية التي تأتي من مصدر النفط ومن تحويلات الخزانة الأميركية، والتي لوحدها تتسبب أيضاً بارتفاع سعر الدولار، وإن كانت التحويلات تتم عبر منافذ التحويل الرسمية.