حكاية عن العنصريَّة والقهر

ثقافة 2025/01/14
...

  ميادة سفر


لم يعتقد "ميكا" بطل رواية "الشيخ والوسام" الصادرة عن دار ممدوح عدوان، أنّ كل تضحياته وإخلاصه وإيمانه المسيحي لن تشفع له أمام الفرنسيين البيض الذين احتلوا بلاده، هو الذي قدم ولديه وخسر أرضه في سبيلهم، في رواية يوحي عنوانها للوهلة الأولى بتقاطع مع رواية أرنست همنغواي "الشيخ والبحر"، لكنّ "ميكا" العجوز شخص مختلف عن عجوز همنغواي، فلم يكن قوياً، بل هو بسيط وضعيف ومهزوم في بلاد ضعيفة ومجتمع متهالك.

تحضر العنصريَّة في رواية فرديناند أويونو الكاتب الكاميروني كما أغلب الروايات الأفريقية التي تحكي عن الظلم والاضطهاد الذي عانى منه أبناء البلد مع المستعمرين البيض الذي اغتصبوا أرضهم وثرواتهم ونهبوا خيراتهم، وأذاقوا السكان الكثير من الذل والقهر، وهو الذي اشتهر برواياته المناهضة للاستعمار الأوروبي لأفريقيا، فقد تمكن من رسم عالم الكاميرون الغائب إلى حد كبير عنا، متمسكاً بأسلوب سرد واقعي تمكن من خلال من الغوص في ثنايا النفس الإنسانية ونبش والكشف عن كل تلك المعاناة التي تقاسيها.

"ستفاجئك هذه الرواية قليلاً" بهذه العبارة يبدأ الكاتب الراحل ممدوح عدوان تقديمه لرواية ستقف أمامها حائراً ومتألماً على واقع مليء بالمآسي، فبعد إبلاغ ميكا الرجل الأشهر في قريته باستحقاقه للوسام الذي سيُقلّده إيّاه الحاكم الكبير للبيض المحتلين لبلاده، تبدأ التحضيرات الكثيرة من أقاربه وأهله وجيرانه من مختلف القرى والبلدات الذين يتوافدون لحضور حفل تقليده الوسام الذي دفع ثمنه غالياً، لكنّ النهاية ستكون مأساوية حين يترك وحيداً ويتعرض للضرب والإهانة والسجن قبل أن يتعرّف عليه المسؤول في البلدة ويطلق سراحه، قد يبدو حدثاً صغيراً وبسيطاً في مجتمع يُعاني من التمييز العنصري حيث البيض يتحكّمون بالبشر وكل شيء في البلد، إلا أنه حدث سيشكل صدمة لأولئك الأفراد البريئين، لكن ما نفع البراءة في ظل الظلم والاضطهاد "ما فائدة أن يكون المرء بريئاً ومتواضعاً في هذا العالم الذي لم تعد تفيد فيه البراءة؟ أو ينفع فيه التواضع؟ وحيث صار الإنسان أتفه من حبة رمل في الصحراء؟" هكذا يتساءل الروائي الكاميروني وهو يحكي روايته بأسلوب الشعب بكل بساطته، معبراً بأسلوب رشيق عن فرحهم حيناً، قهرهم وغضبهم حيناً آخر والأهم خيبتهم.

في النهاية سيقف الجميع متسائلين عمّا حصلوا عليه في بلادهم الرازحة تحت نير الاستعمار، محاولين تضميد جراحهم، فقد وصل بهم الحال أنّهم لم يتمكنوا حتى من رفض تلك التي سميت عطايا ومكافآت، لقد فقدوا حريتهم بكل المجالات وإن كان رفض وعدم قبول ما يقدم لهم، فما بالنا بتلك الممارسات التمييزيّة التي عانوا منها بكل رضى واستسلام، يشير الكاتب لتلك الأحوال حين قال: "ما الذي حصلنا عليه في هذه البلاد؟، لا شيء، ولا حتى حرية رفض عطاياهم، ولا حتى حرية الرفض"، تراهم مستسلمين تارة، وغاضبين تارة أخرى، لتقف أمامهم حائراً كما يقول الكاتب والمترجم الراحل ممدوح عدوان "أتحزن عليهم، أم تشمت بهم"، وربما تقتنع أن لا حول لهم ولا قوة فيما يجري من حولهم.