وقع بين يدي كتاب الدكتور علاء بشير المعنون (كنت طبيباً لصدام) تصفحته، أعدت صفحات منه لفظاعة ما أقرأ، قرأت ما كتبه عن أيام دخول صدام للكويت، قرأت موقفي نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش آنذاك وعبد الجبار شنشل وزير الدفاع أيامها، قرأت توجيه عبد السلام محمد سعيد الذي كان وزيراً للصحة حين أبلغ مجموعة من الأطباء ومنهم علاء بشير الطبيب الشخصي لصدام حسين بأنَّ عليهم التوجه الى الكويت حيث تفيد المعلومات لديه بأنَّ مستشفى جديد لإصابات الحروق موجود في مكانٍ ما في الكويت وعليهم الذهاب الى هناك والعودة به الى بغداد، كما أنَّ رئيس نقابة الأطباء الدكتور راجي التكريتي قد نفذ أمراً يقضي بتجريد نقابة الأطباء الكويتيَّة من كل شيء بما فيها الكتب والمجلات العلميَّة وصولاً الى الكراسي، تذكرت وأنا أقرأ هذه السطور أستاذاً لي في الكلية عندما كنت طالباً، حيث كان يقدم لنا محاضرته عن تاريخ أوروبا المعاصرة بوصفها مادة أساسيَّة ومقررة كنا ندرسها، كان أستاذنا هذا يحكي لنا عن أستاذهم للمادة عينها عندما كانوا طلاباً، يقول عنه إنه كان أستاذاً خلوقاً وعقليَّة علميَّة قلَّ نظيرها، كان قد حصل على شهادته من أرقى الجامعات الأجنبيَّة، وكان مؤلفاً محترماً لعددٍ من الكتب، إلا أنه كان شديداً مع طلابه في كل شيء، لا يرضى بحضور الدرس لمن تأخر، لا يؤجل امتحاناً لأحد والكثير من التفاصيل التي كان يطلبها لمصلحتهم وكل هذه الأشياء من شأنها أنْ تجعل بعض الطلاب لا يحبون أستاذهم هذا، وفوق كل ذلك فقد ورَّط هذا الأستاذ نفسه ذات مرَّة حين طرد أحد طلابه من الامتحان بعد أنْ اكتشفه متلبساً بالغش وصادف أنْ يكون هذا الطالب مسؤولاً عن فرع (الاتحاد العام لطلبة العراق) آنذاك، لم يستطع هذا الطالب نسيان ما فعله معه أستاذه وبقي يفكر طويلاً بطريقة الثأر منتظراً الفرصة. حين دخل عليهم مرة أستاذهم الكبير بالسن هذا حاملاً معه حقيبته وخارطةً كانت قد وفرتها له الكلية ليشرح لطلابه موضوع (إنزال النورماندي) وحين علقها في مكانها كانت شبه متهالكة وتكاد تكون ممسوحة، ولا تظهر عليها حدود الدول، أبدى أسفه على الحالة المزرية هذه وقال فيما يشبه الحديث مع نفسه وبتهكم (الجماعة سرقوا كل شيء من الكويت وما عرفوا يسرقون خارطة زينة وواضحة) في إشارةٍ الى رفضه وامتعاضه على ما يبدو من النظام القائم آنذاك، وجدها ذلك الطالب الغشاش فرصةً للخلاص من أستاذه هذا ورفع تقريره الى مسؤوله الحزبي ليتم بعدها إيقاف الأستاذ عن العمل وإحالته على التقاعد، يتذكر أستاذنا هذا الموقف وعندما يحدثنا تراه يعتصر ألماً على قامة علمية وشى بها غشاشٌ، ووحده الله يعلم كيف أصبح حال هذا الغشاش الآن؟!!
كل هذا تذكرته وأنا أرى أنَّ أمير الكويت يتم استقباله مرةً أخرى في بغداد بعد زيارته الأولى لها عام 2012 أثناء مشاركته في مؤتمر القمة العربيَّة، وتشير كثير من الأخبار الى أنَّ المحادثات كانت وديَّة وإيجابيَّة وغلب عليها نقاش الأزمة الحالية وتوتر العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، كما تباحثا عن هواجسهما بشأن تأثير تلك الأزمة في الإنتاج النفطي. أرى احتفالاً رسمياً وعلى أعلى المستويات قد تم للأمير الكويتي وكأنَّ الرسالة المراد إيصالها إنَّ العراق بجميع مكوناته وطوائفه راغبٌ بالانفتاح على محيطه العربي ومقتنعٌ بضرورة وأهمية ذلك، خاصة بعد أنْ جرَّب الجميع معنى أنْ يكون لنا خصومٌ من أغلب الجهات والأطراف، سعيدٌ جداً وأنا أسمع ما قاله الرئيس العراقي السيد برهم صالح من أنَّ “العراق ينظر الى طبيعة الأزمة بمنظار واسع ويسعى الى تحقيق توافق إقليمي شامل قائم على قاعدة الحوار والجيرة الحسنة”، سعيدٌ لأننا تمكنا من الخلاص من نظامٍ كان لا يفكر إلا انطلاقاً من عقليَّة همجيَّة عنيفة قائمة على الاحتلال والقتل والتسليب، نظام يحمل من العنجهيَّة ما يفوق التصور، سعيدٌ لأنَّ علاقتنا اليوم تبني أو هكذا أتمنى على قاعدة أنَّ لنا مصالح مع دول الجوار تقوم على أساس الحوار السليم والصحي، لا أنْ تكون علاقاتنا منطلقة من (باجر الويلاد يمكم يتريكون)!!.