الحروب الأميركية الصغيرة تتحوَّل إلى حروب مميتة

قضايا عربية ودولية 2019/07/03
...

ستيفن ميتز
 
ترجمة: شيماء ميران
 
 
تكره الولايات المتحدة الاميركية وخصوصاً الجيش الاميركي مكافحة التمرد، بسبب صعوبته من الناحية الأخلاقية والسياسية، كونه حلاً مستحيلاً في بعض الاحيان. ولكي تقوم الإدارة الأميركية وجنودها بذلك يجب عليهم دفع حليف مثير للجدل للقيام بإصلاحات عميقة اثناء المواجهة مع عدو شرس.
ويعد الإرهاب والاغتيال والتخريب والتدمير معارك مستمرة ، وشائعة اكثر من النوع التقليدي الذي يفضله الجيش الاميركي، ولذي يتمكن فيها من فرض مميزاته التكنولوجية.
فكلما اصبحت الولايات المتحدة منخرطة بمكافحة التمرد تتمنى أنها لم تدخل المعركة عند انتهائها. وكما وصف رئيس تحرير مجلة السياسة العالمية "يهوذا غرونشتاين " مؤخراً الحملات الاميركية لمكافحة التمرد في العراق وأفغانستان، بأنها "أحدث حلقة عبر التاريخ طويل متكرر للجيش الاميركي ضمن محاربة التمرد، والتي تعرف بالحروب الصغيرة غير التقليدية وغير المتكافئة، وعند حدوثها تترك الدروس العملية المستنبطة جانباً عند انتفاء الحاجة لها".
ولا تزال القوات الاميركية مستمرة بإعادة هذا النمط لاعتقادها بان هزيمة حليف أسوء من محاولة مكافحة التمرد، او انها تبقي مشاركتها محدودة. وغالباً ما يتعهد المسؤولون الاميركيون بعدم تكرار حملات مكافحة تمرد واسعة، لكنهم يعودون إليها.
 
مواجهة حرب العصابات
وعند مساعدة اميركا لصديق او حليف لمواجهة اي تمرد مستقبلاً، سواء خلال سنة او عقد او عدة عقود، فان العدو المتمرد الذي تواجهه سيكون مختلفاً جداً عن المتمرد السابق، لان التمرد بحد ذاته يتطور بسرعة.
نشرت مؤسسة اميركا الجديدة مؤخراً تقريراً " لبيتر سينغر" خبير مميزات الصراع المتغيرة عن كيفية تأثير التكنولوجية الجديدة في مستقبل مكافحة التمرد. وقال بيتر عن لعبة تغيير التقنيات : أنه "ستكون هناك عوائق قليلة لدخولها بشكل لا يصدق"، وبالتالي سيتمكّن المتمردون من الوصول الى الروبوتات والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الابعاد، ما يعني اذا تبنت اميركا مكافحة التمرد مرة اخرى فلن تتمكن من افتراض تفوقها الشامل تلقائياً كما كان الحال في الماضي. 
ويحذر بيتر من ان "اميركا قد تجد نفسها يوماً تحارب قوة متمردة تستخدم افضل تكنولوجيا للقتال". لكن التكنولوجيا هي ليست التطور الوحيد التمرد المستمر، فتغير التنظيم والستراتيجية مهم ايضا.
اغلب المتمردون في القرن العشرين اعتمدوا بشكل رسمي على التنظيم الهرمي، وكانوا يسعون، بدءاً من اسيا ووصولاً الى الاميركيتين، للحصول على السلطة، فكانوا انعكاساً للحكومات، إذ كان لديهم رئيس ومرؤوسين برتب وصنوف مختلفة، ومديريات سياسة وتنفيذية وعسكرية متخصصة.
 
حركة التمَّرد في العراق
إن هذه الاشياء المبسطة هي المكونة لمكافحة المتمردون، ويمكن للقوات الامنية ان تقرر اي مكون من مكونات التمرد هو الاهم ثم تستهدفه، وإذا كان التخمين صحيحاً وتمكنت القوة من تدمير جزء من حركة التمرد المستهدفة، عندها سيحققون النصر. ثم تغيّر التمرد، وأتضح هذا اولا في العراق، فحركة التمرد التي نشأت بعد الغزو الاميركي عام 2003 ابتعدت عن شكلها القديم وقدمت نظرة عامة لمستقبل التمرد. فبدلا من ان يكون مبنياً على اساس التنظيم الهرمي تحت إمرة قادة معروفين، كان التمرد شبكة مبعثرة من مجاميع صغيرة، تضم بعضها عراقيين وبعض الأخر مقاتلين اجانب يعملون سوية لاجل هدف مشترك بلا توجيه مركزي.
وكانت كل مجموعة تراقب المجاميع الاخرى التي تصور هجماتها وتبثها عبر الانترنت، فتقوم بمحاكاة عملياتها. وكانوا يهاجمون الاهداف ثم يتفرقون عندما يواجهون ضغط القوات الاميركية، وقد يكون هذا التفرق تكتيكيا بعودة المجموعة الى اماكنهم بعد تنفيذ الهجوم، او قد يكون ستراتيجيا مثلما يقوم به عناصر "داعش" من انتقال مستمر الى اجزاء اخرى من الشرق الاوسط والعالم الاسلامي.
هذا التطور يعني بالنسبة لاميركا بأنها حالما تقدم المساعدة لأحد حلفائها لتعزيز قواته الأمنية وزيادة قدراته الاستخباراتية والشروع باصلاح سياسي واقتصادي لتحجيم دعم المتمردين، يتحرك العدو والعملية برمتها ينبغي ان تبدأ من جديد.
 
سهولة التسليح
المفرح هو انه لا يبدو على خلايا حركات التمرد المتشابكة القدرة على الاستيلاء على البلدان بالطريقة التي تمكنت بها بعض التنظيمات الهرمية خلال القرن العشرين، لكن المحزن انه من الصعب جداً او ربما من المستحيل القضاء عليهم.
وبانتقال حركات التمرد من البنية الهرمية الى شبكات مرنة، اندمجت مع الجريمة المنظمة، ووجدت العديد من حركات التمرد خلال الحرب الباردة ان تبنيها الايديولوجية والخطاب اليساري يمكنها من اجتذاب الدعم السوفيتي ودول شيوعية اخرى.
حاليا، لا يلقى التمرد سوى دعم بلدان قليلة، وبات على المتمردين ان يستحدثوا مواردهم الخاصة، لكنهم يحصلون على الاسلحة من الاسواق العالمية بسهولة، عند امتلاكهم الاموال، واستمرار التمرد يتطلب اموالا. وفرض الضرائب على السكان المحليين لم يكن كافياً على الاغلب، لذا تحول المسلحون الى السطو والاختطاف والتهريب والصيد غير المشروع والاستخراج غير القانوني للموارد وإنتاج المخدرات والاتجار بالبشر والجريمة عبر الانترنت.
 
تمرد اكثر فتكا
فمن المستحيل القول اليوم اين ينتهي التمرد، وتبدأ العصابة الاجرامية؟. وما زاد الامور سوءاً ان هذا المكون الهجين من التمرد والعصابات الاجرامية اصبح تحالف معولم ومطور ولديه شراكاته مع المجرمين والمتطرفين حول العالم.
فالتمرد بمعنى اخر، اصبح احد مظاهر شبكة العنف المظلم المترابط والمعقد والمتطرف الذي يقوض الامن 
والازدهار. 
وفي العقود المقبلة فإن التطورات التكنولوجية، والتغييرات التنظيمية والستراتيجية التي تميزت بالانتقال الى شبكات واسعة عابرة للحدود، والاندماج مع الجريمة العالمية، سيولد حركات تمرد اكثر هياجاً وفتكاً من سابقاتها. وسوف تستمر اميركا بتحاشيها اكثر، وهذا قد يكون غير ممكن. عندها سيكون التحدي امام خبراء الامن والستراتيجيين العسكريين وأجهزة الاستخبارات وقوات تطبيق القانون والقادة السياسيين جميعاً ما سيتعاملون معه من التطور المستمر للتمرد وإيجاد بعض الطرق الفعالة عندما تنجر اميركا الى المعركة مرة اخرى.