أين يقضي لاعبونا أوقاتهم بعد المباريات والتدريبات

الرياضة 2025/01/21
...

  تحقيق أجراه: د. عدنان لفتة


أوضاع غريبة يعيشها عدد كبير من لاعبينا في الدوري المحلي تؤثر في صورتهم كلاعبين محترفين وفي مستوياتهم الفنية بل حتى في صحتهم العامة. 

مراقبون دقوا أجراس الخطر لما يجري في صفوف لاعبينا وأنديتنا مطالبين بقرارات ومواقف حازمة لإنقاذ كرتنا من فوضى بعض اللاعبين التي وصلت إلى درجات عالية من عدم الانضباط وغياب الالتزام. 

(ملحق الصباح الرياضي) أجرى تحقيقاً عن هذه القضية فكانت هذه السطور: 


التزام غائب!! 

المدرّب والخبير الكروي سعد حافظ كان أول المتحدثين فقال: إذا أردت إعطاء نسبة للاعبين المنضبطين في دورينا أو عالم كرتنا، فأنا أعطي وبدقة (2 %) للملتزمين منهم، إنها فوضى وعدم انضباط.. اليوم كل شيء مباح ومشاع، وهناك نقص في الثقافة إلى حد ما، وأنا- ليس دفاعاً عن مدرب منتخبنا كاساس- أستغرب دائماً عندما يطالبونه بالاستقرار فأقول لهم كيف يأتي بلاعب مستقر في مستواه؟، أين يجد لاعباً مواظباً محافظاً على نفسه وصحته واستقراره الفني؟ هل لدينا لاعب يلعب مباراتين أو ثلاثاً ويقدم مستويات رائعة أو عالية؟ للأسف أصبح نادراً وجود مثل هذا اللاعب، فالأغلب لا يهتمون بساعات نومهم والتزامهم الرياضي مما ينعكس على مستوياتهم الرياضية.


ساعات من الضياع

اللاعب الدولي السابق والمدرب الحالي علي وهيب تحدّث عن سوء حال لاعبينا قائلاً: 

للأسف الشديد أغلب لاعبينا عندما ينتهون من وحدتهم التدريبية أو المباراة يتوجهون مع أصدقائهم إلى الكافيات والمطاعم ويبقون حتى ساعات الفجر يشربون الأركيلة ويلعبون الدومينو والألعاب الإلكترونية فضلاً عن التسلية خارج نطاق كرة القدم وهذا الذي نشاهده خلال هذه الفترة السيئة ولا يمكن لوم المدربين، فنحن عاجزون إزاء هذه التصرفات. اللاعبون لا يحافظون على مستوياتهم، كيف تطوّر اللاعب ولدينا فقط ساعة أو ساعتان للعمل معهم فنياً وبدنياً يومياً؟ بينما يقضون معظم الساعات الأخرى في تدمير أنفسهم ومستواهم وصحتهم. والذنب تتحمله إدارات الأندية أيضاً فهي تتعاقد مع اللاعبين من دون تثبيت شروط جزائية أو عقوبات أو غرامات في عقود اللاعبين لعدم الالتزام بالنهج الرياضي وإذا أردنا أن نحدد عدد اللاعبين الملتزمين رياضياً فهم لا يزيدون على (3% )، الغالبية غير ملتزمين ولا يفهمون أبعاد ما يقومون به من واجبات هي لصالح مهنتهم الرياضية التي اختاروها لذلك يغيب التركيز عنهم في المباريات: وقوف خطأ، انعدام الملازمة الفردية وتصرفات مغلوطة داخل منطقة الجزاء، اللاعب يجب أن يهتمّ بنفسه ورياضته لكن لا حياة لمن تنادي.


أوزان مرتفعة!! 

الحارس الدولي ومدرب الحراس إبراهيم سالم تحدّث بحسرة عما يعيشه لاعبونا هذه الأيام فقال: أصعب شيء في عالم التدريب هو أنك لا تملك غير ساعة أو ساعة ونصف الساعة هو الوقت الذي يقضيه اللاعبون في التدريب، أمّا خارج هذا الوقت فمعاناة مستمرة، وأنا هنا أتكلم على عملي مع حرّاس المرمى أو بقية اللاعبين، فعندما يرتفع الوزن وأكتشف بعد مراقبة اللاعبين في المعسكرات والمباريات أثناء تواجدهم في الفندق أجد اللاعبين يأكلون بشراهة ولا يحرصون على الغذاء الطبي، فالحلويات بمختلف أنواعها ترافقهم في غرفهم. ومنهم حارس دولي يأكل ليلاً ويطلب (ديلفيري، همبركر، كنتاكي)، ونعاني أيضاً من موضوع سهرهم مع الهواتف لساعات طويلة. وأروي لك حادثة مضحكة: كنا في البحرين مع الأولمبي نخوض تصفيات آسيا، وكنت أراقب الحراس وأبقى ساهراً حتى منتصف الليل للمحافظة عليهم ونحن مقيمون في شقق فندقية، كل ثلاثة لاعبين أو أربعة يقيمون في شقة خاصّة بهم، وهذه الشقق فيها حساسات ضد الدخان، وإذا بنا نسمع صوت منبّه الحريق فلمّا توجهت إلى شقة الحراس وجدتهم يقلون البيض والطماطم منتصف الليل وهو أمر مستغرب. لأنهم بذلك لا يحافظون على أوزانهم أو غذائهم الصحي المناسب، لاعبونا يركزون على أشكالهم وقصات شعرهم، قلة قليلة منهم يركزون على أدائهم وواجباتهم في اللعب أو التدريب، قليلون يتجهون إلى الجم، لبناء العضلات والإشراف الصحي والغذائي، لاعبنا المحلي للأسف تركيزه ينصب على مقدار ما يناله من عقد مالي، ونوع السيارة التي يركبها، ويختار ملذات الحياة ويعيشها بينما لا يهتم بمصدر رزقه وهو الرياضة وأداؤه ومستواه، لاعبنا ليس مؤسساً بشكل صحيح فنحن لا نملك دوريات منتظمة للفئات العمرية، نحن نعمل في دوري المحترفين ونصحح الأساسيات التي يفترض باللاعب أنه قد تعلمها عندما كان صغيراً، لا يعرف كيف يتسلم الكرة ولا يستطيع التعامل معها بدقة.

الأغلبية أيضاً مستواهم الفني في انحدار، وأختم حديثي وأقول إنني أجريت دراسة على الحرّاس التسعة الذين استدعاهم كاساس مع المنتخب الوطني فماذا وجدت؟ استقبلنا ثمانية أهداف من مجموع (15) حالة وصلت فيها الكرات إلى مرمانا!! 


مصيبة الـ(تيك توك)!! 

المدافع الدولي والمدرب حمزة هادي قال: حقيقة سؤال محرج، هناك قسم من اللاعبين ملتزمون ويحاولون تطوير مستوياتهم وأنفسهم نحو الأفضل وبعض آخر غير ملتزم إطلاقاً ومنهم لاعبو المنتخبات الوطنية، إذ أشاهدهم يسهرون في الكافيات حتى ساعات الصباح، وهذا نابع من انعدام الثقافة الرياضية وقلة معرفتهم، لا يكتفون بالعقود الخيالية التي يحصلون عليها بل نجد تصرفات غريبة منهم، فعدد غير قليل يقوم بالبث عبر الـ(تيك توك) ويبقى حتى ساعات متأخرة من الليل، نظام الغذاء لا يتم الالتزام به.. فقط أشيد بالمهاجم الدولي أيمن حسين الذين تطور جداً، فهو لا يأكل إلا وفق نظام غذائي وبإشراف طبيب مختص ويذهب إلى الجم لتحسين لياقته البدنية ويحرص على ساعات نومه فهو مثال يقتدى به أتمنى من بقية اللاعبين التعلم منه.


سهر وقلة نوم 

النجم الدولي سعد قيس تحدّث عن الموضوع فقال: الأغلبية يقضون أوقاتهم بأشياء لا تخدمهم إطلاقاً، سهر وقلة نوم وسوء اختيار للطعام، أثناء تواجدي في بغداد وعند عملي مديراً إدارياً بنادي الشرطة شاهدت الكثير من السلبيات عن لاعبينا، وأهم هذه السلبيات هي السهر، وكذلك الجلوس في المقاهي، وأغلب هؤلاء اللاعبين يتعاطون الأركيلة بشراهة وغذاؤهم سيئ ولا يحافظون على أنفسهم صحياً وبدنياً وهم بالأصل بعيدون جداً عن موضوع الالتزام والانضباط.

البعض يقول إنَّ إدارات الأندية هي المسؤولة ولكني أرى العكس فاليوم نحن في دوري المحترفين، وعلى اللاعبين أنفسهم أن يعرفوا معنى الاحتراف لا أن يكونوا غير مبالين وغير منضبطين، ولا يهتمون بأنفسهم ولا بوضعهم الصحي والبدني.



لا راحة ولا استشفاء!! 

مدرّب حرّاس المرمى جليل زيدان بيَّن رأيه في القضية قائلاً: نسبة كبيرة جداً من اللاعبين يشربون الأركيلة والـ(فيب)، و(90 %) منهم غير ملتزمين بالراحة والاستشفاء بعد المباريات والتدريبات. إضافة إلى غياب التغذية الصحيحة للاعب. ناهيك عن اللامبالاة بالسهر وعدم النوم في الأوقات الصحيحة لذلك تجده كسولاً ومتعباً ومستواه غير ثابت في المباريات التي يخوضها وهي حالة مؤسفة جداً تؤثر في المستوى العام لمنتخباتنا وأنديتنا وبطولة الدوري فضلاً عن المستويات الفردية للاعبين.


غياب الثقافة

لاعب الميناء السابق عمار حسين تحدّث عن الموضوع قائلاً: إنَّ معظم اللاعبين يقضون أوقاتهم بعد التمرين مع الأركيلة والسهر لأوقات متأخرة من الليل، وهو أمر محزن جداً.


للإدارات موقف

من جانبه قال رئيس نادي الكهرباء علي الأسدي: «في بيئة مثل العراق.. هناك نوعان من اللاعبين الأول يكونون أكثر التزاماً، ويقضون أوقاتهم ما بعد التدريبات في البيت أو الذهاب (لحمام ثلجي) حفاظاً على أجسادهم ومنهم من يتناول الأكل الصحي في البيت، أما النوع الثاني وهو الأغلبية، فهم الذين يقضون أوقات فراغهم في المقاهي أو التجول ليلاً من دون الحفاظ على أنفسهم.

شخصياً أحاول قدر الممكن التعامل مع النوع الثاني من باب النصيحة لا أكثر على اعتبار أنَّ اللاعب يكون حرّاً بعد التدريبات ولا يمكن أن أراقب جميع اللاعبين.. باستثناء المحترفين الذين يكونون تحت إشرافنا في السكن المخصص لهم.


اهتمامات غريبة

عضو إدارة نادي القوة الجوية السابق علي زغير يرى أنَّ البعض من لاعبينا ليس لديه أي ثقافة رياضية، فاهتمامه بعد الوحدة التدريبية للأسف فقط في السهر والذهاب إلى الكافيات وعدم الاهتمام بنظامه الغذائي بالإضافة إلى كثرة استخدام جهاز الموبايل وهذا السبب الأول في تدني المستوى العام للاعبين، وفي عملنا الإداري كنا نقوم بحجز الفريق قبل المباراة قبل يوم مع الإشراف على التغذية وسحب جهاز الهاتف الساعة العاشرة ليلاً ومتابعتهم لكي لا يسهر اللاعب، وينام بالتوقيتات المحددة.

واللاعبون المقصّرون أو الذين لا يلتزمون نقوم بتنبيههم على هذه التصرفات وننتظر تقرير المدرب والمشرف على مستوى اللاعب حتى تجتمع الإدارة وتأخذ القرار بعقوبة اللاعب مادياً.


التربية مهمة

عبد الرحمن رشيد عضو إدارة نادي الزوراء السابق أشار إلى نقاط مهمة في القضية قائلاً:

النقطة الأولى تتعلق بالتربية البيتية، التي غالباً ما تكون عنصراً أساسياً ومهماً في نجاح اللاعبين، والثانية تعتمد على رغبة اللاعب في تطوير مستواه عن طريق البحث والتقصي والاستفادة من خبرات الذين من قبله، والنقطة الثالثة هي مدى قدرة اللاعب على استيعاب أفكار إدارة الأندية التي يلعب فيها أو المنتخبات، كونها تعد من أساسيات استمرار اللاعب في الملاعب لأطول مدة ممكنة. 

وأضاف أنه يتمنى من القنوات الفضائية أن تكون شريكاً وعنصراً فعّالاً في توعية اللاعبين وتقديم النصائح لهم باستمرار.


للمتخصصين رأيهم

الأستاذ الدكتور بشير ناظر حميد رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة المستنصرية فسّر ما يحدث للاعبينا علمياً فقال: الهوية الثقافية للاعبنا هي نتاج ثقافة المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه؛ والإرادة والطموح لدى الكثير من اللاعبين العراقيين هي (محلية) بامتياز؛ وصفة اللاعب المحترف أو معنى الاحتراف قد يكون مفهوماً لا ينتمي لثقافتنا المحلية؛ فسقف المطالب لدى اللاعب ولدى أسرته قد لا يتجاوز شراء منزل بأرض زراعية. 

فالسهر في الكافيات وتدخين الأركيلة عوامل مؤثرة بشكل كبير في أداء اللاعبين، والأداء والتركيز واللياقة البدنية هي مفتاح الخروج من المحلية والوصول للعالمية، وهنا لا بد أن يكون اللاعب على دراية ومعرفة كاملة بالتجارب الناجحة في البلدان المختلفة سواء كانت تجارب اتحادات رياضية أو تجارب رياضيين ناجحين؛ وهذا يتم من خلال المحاضرات والندوات والدورات التي تقيمها الأندية للاعبيها من خلال المتخصصين في علم الاجتماع الرياضي وعلم النفس الرياضي للارتقاء بثقافة اللاعبين والعمل على رفع مستواهم؛ لأنَّ كل ما يحدث من استهانة الرياضي بالرياضة وباسمه وبمستقبله والجلوس بالكافيات والسهر وتدخين الأراكيل هو ما يحمله من ثقافة؛ سواء كانت هذه الثقافة مجتمعية أو كروية؛ وأخيراً أتساءل عن موضوع قد يكون مختلفاً ولكنه في نفس السياق (الثقافة)؛ كيف استطاع المجتمع الإنكليزي التغلب على ظاهرة العنف في الملاعب والانتقال من الملاعب ذات الأسيجة العالية التي تفصل بين الجمهور والملعب؛ إلى ملاعب خالية من الأسيجة ولا يبعد الجمهور عن الملعب سوى أمتار معدودة؟


لنا رأي

الأندية الرياضية بوصفها المشرفة بشكل مباشر على اللاعبين مطالبة بإيجاد أطباء متخصصين وباحثين اجتماعيين ومدراء إداريين بشخصيات قوية للعمل مع اللاعبين من أجل التركيز على تطوير مستوياتهم البدنية والفنية والصحية والابتعاد نهائياً عن كل مظاهر الفوضى الحالية في التواجد بالكافيات والسهر لساعات طويلة والانشغال بالهواتف والألعاب الإلكترونية فهي ذات تأثير سلبي ندفع ثمنه في مستويات لاعبينا المتراجعة وظهورهم المتواضع مع المنتخبات الوطنية، لابد من تشديد وعقوبات لفرض الحزم وإعادة اللاعبين إلى جادّة الصواب والسلوك الرياضي الصحيح.


نصائح للإصلاح

مدرب فريق نوروز قحطان جثير توجّه بالنصح والإرشاد للاعبينا كي يتجنبوا المظاهر السلبية المؤثرة في مستوياتهم الرياضية، مطالباً إياهم بالاهتمام بالنوم والنهوض مبكراً وعدم النوم لساعات طويلة والابتعاد عن الغذاء غير الصحي المؤدي للترهّل والأوزان الزائدة والاهتمام بالنظام الغذائي، وهناك حالات مشرقة من اللاعبين الذين أتمنى الاقتداء بهم، وهم كثر، إذ تراهم يركزون على تطوير مستوياتهم ويتجنبون الأكل غير الصحي وهم ملتزمون بالتدريبات، متمنياً في الوقت نفسه الاهتمام بالثقافة الرياضية، كونها تنعكس إيجاباً على الأداء العام وصورتنا كرياضيين في أوساط المجتمع والشباب.

 

الابتعاد عن المحظورات

المدرب المساعد لكرة النجف حيدر نجم نصح اللاعبين أيضاً بقوله: 

سلوكيات اللاعب خارج الملعب تقترن غالباً بمستواه الثقافي فهو ينعكس بشكل كبير على نمط الحياة ومعرفته للمحظورات التي يجب الابتعاد عنها مثل (السهر، عدم الاهتمام بالتغذية). وهناك أمثلة كثيرة على لاعبين انتهت حياتهم الرياضية مبكراً لأنهم يجهلون كيفية الحفاظ على وجودهم في الملاعب لفترة طويلة. 

في المقابل تجد اللاعب المثقف الذي تكون حياته أكثر استقراراً من جميع النواحي (العائلية والمعيشية والمهنية) ويكون أكثر وعياً وأكثر محافظة على نفسه من خلال حرصه على تطوير ذاته ورفع قيمته السوقية، وعدم وضع سقف لطموحاته بغض النظر عن وضعه المادي ويبقى الشغف لتحقيق النجاحات أكثر.