محمد شريف أبو ميسم
سواء اختلفنا أو اتفقنا بشأن مؤتمر البحرين الذي انتهت أعماله الأربعاء الماضي، فإنَّ من الصعب القول إنَّ الولايات المتحدة التي كانت راعية لهذا المؤتمر، تقف على الحياد في معالجة القضية الفلسطينيَّة بعد سلسلة الخطوات المنحازة التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لصالح الكيان الاسرائيلي، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية الى القدس، ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ووقف الإعانات السنوية للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يجعل مقاطعة السلطة الفلسطينية للمؤتمر، بوصفه محاولة لإخراج الصراع العربي الاسرائيلي من إطاره السياسي الى الاقتصادي مُبرَّراً حيال هذه المواقف وحيال الضبابيَّة التي أحيطت بما سمي بـ”صفقة القرن”، على الرغم مما يقال بشأن تحسين حياة الشعب الفلسطيني من خلال جذب الاستثمارات الأجنبيَّة للضفة الغربية وقطاع غزة.
وعلى الرغم من التقارير الإعلاميَّة التي تحدثت عن المؤتمر وبشرت بصفقة القرن، إلا أنَّ إحالات هذه الصفقة المبهمة وعرابها صهر ترامب “جاريد كوشنر” المعروف بقربه من رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو” مع ملامحها التي تؤسس لتدفقات رساميل العولمة التي تملكها الشركات الصهيونيَّة التي تحكم العالم، فرضت حالة من الريبة، بشأن النوايا الرامية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني عبر سياسة الاحتواء الاقتصادي، بما يؤسس لحالة من النمو الاقتصادي والازدهار المعاشي للفلسطينيين في ظل عولمة اقتصاديَّة تسحب خلفها تدفق المزيد من الأيدي العاملة الأجنبيَّة وتمنح الفلسطينيين حق العمل في فروع شركات العولمة المنتشرة في عموم العالم في إطار عولمة الإنتاج والأسواق، ومنح حق الحصول على الجنسية للفلسطينيين العاملين في الخارج والأيدي العاملة الأجنبية التي ستعمل في الضفة الغربية، بما يؤسس وعلى المدى البعيد لتغيير ديموغرافي، وواقع جديد ينهي الى غير رجعة، حق المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة ويقطع الطريق على كل محاولات اللجوء الى العنف في هذا الإطار، بموجب سياسة ربط مصالح الأفراد والجماعات السكانية بمصالح الرساميل الأجنبيَّة التي ستكون ازاء بيئة طاردة من الساحة الاستثمارية في حال اللجوء الى العنف، الأمر الذي سيؤسس على المدى البعيد لرأي عام رافض للعنف ورادعٍ لكل ما من شأنه الإضرار بالمناخ الاستثماري الذي ستتشكل بموجبه ملامح حياة جديدة لا يمكن للأجيال القادمة التخلي عن
مفرداتها.
وبذلك يتحقق هدف الانتهاء من توريث الصراع أوالمطالبة بحل الدولتين، وهذا ما تؤكده محاولات إلغاء دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”الأونروا” التي يرى فيها الاسرائيليون انها “السبب الرئيس لإدامة وتخليد الصراع”. وبناءً عليه، فإنَّ مقاطعة السلطة الفلسطينية للمؤتمر كان خياراً لا بديل له لرفض الإملاءات من دون حل سياسي يعطي الحق للفلسطينيين في إقامة دولتهم.
بيد أنَّ تحقيق هذا الهدف لا يلغي توريث الصراع والمطالبات العقائديَّة خارج الأراضي الفلسطينيَّة على المدى البعيد، والقائمة على تقديس المسجد الأقصى “أولى القبلتين وثالث الحرمين” وعلى هذا يكون من المؤكد إنَّ هدف الاحتواء الاقتصادي ممتدٌ الى مساحة الشرق الأوسط بأكمله، ومن هنا يمكن أنْ نتساءل، هل ستقف إحالات هذه الصفقة عند إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي؟ أم ستمتد الى عموم دول الشرق الأوسط التي أنفقت عليها الولايات المتحدة نحو سبعة ترليونات دولار على مدار سبعة عشر عاماً بحسب
“ترامب”؟