أوكتافيا بتلر: كتبتُ نفسي

ثقافة 2025/01/23
...

  ستيفن كيرس

  ترجمة: شيماء ميران


لم تكن "اوكتافيا بتلر" تحب أن تنتظر الإلهام. وكانت مؤلفة الخيال العلمي الشهيرة تستنكر هذه الفكرة. وقالت: "ما يعتاد عليه الإنسان هو أكثر مصداقية".

تمثل غزارة إنتاج "بتلر" راوية القصص شهادة على عادتها الدؤوبة في الكتابة. إذ استخدمت السرديات غير الواقعية في الخيال العلمي طوال مسيرتها المهنية التي استمرت 35 عاما، بغية استكشاف تعقيدات وقسوة البقاء على قيد الحياة. ومن بين الأمور الأخرى، تحديها بجرأة متحفظة أحياناً أساليب الأدب المفضل لديها من خلال وضع ذوي البشرة السوداء في مركز رواياتها. وقالت ذات مرة: "لقد كتبت نفسي".

واليوم، تحظى قصصها عن المتعطشين للسلطة واللقاءات الجنسية مع الكائنات الفضائية شهرة واسعة من بين كتب الخيال العلمي، فضلا عن الاشادة ببصيرتها في كتب "الأمثال"، التي تتحدث عن الكوارث البيئية والزعيم الذي يريد جعل اميركا عظيمة مرة أخرى. ويوضح "جيري كانافان"، مؤلف سيرة "بتلر" الصادرة عام 2016، بان الأمر يبدو وكأنها تتنبأ بالمستقبل.

ولدت "اوكتافيا بتلر" في باسادينا بولاية كاليفورنيا عام 1947، نشأت طفلة وحيدة في فقر مدقع وتولت تربيتها والدتها وجدتها بعد وفاة والدها، الذي كان يعمل ماسح أحذية وهي في الثالثة من عمرها، كانت والدتها عاملة بأجر يومي، إذ اضطرت الى ترك المدرسة في سن العاشرة والعمل، وكانت تنظف المنازل في ظل الظروف المهينة التي سادت في عهد "جيم كرو"، وكانت "بتلر" ترافق والدتها احيانا في العمل، وكان يُطلب منهما دخول المنازل من الابواب الخلفية.

كانت الكتابة وسيلة للهروب من تلك الظروف، إذ تقول "بتلر" عن عمل والدتها وجدتها: "كانت حياتهما تبدو لي شاقة جدا أحيانا، وتخلو من الفرح أو المكاسب، لذلك كنت أحتاج إلى مخيلتي لحمايتي من هذا العالم". في العاشرة من عمرها، كانت المرة الأولى التي تدوّن بها أفكارها على الورق، فبدأت تكتب قصصا عن الخيول السحرية في دفاتر ملاحظات صغيرة، ثم بدأت تستخدم آلة كاتبة بعد أن توسلت بوالدتها لشراء واحدة. وفي العام 1960، بدأت ترسل القصص الى مجلات الخيال العلمي، في البداية واجهت الرفض حتى تمكنت من بيع "مكتشف الطفل" أول قصة لها عام 1970، والتي تحكي عن شخص يعمل على مساعدة الأطفال الذين لديهم قدرات خارقة.

كانت "بتلر" قبل شهرتها تستيقظ يومياً لتكتب قبل أن تذهب للعمل في وظائف شاقة مثل مفتشة رقائق البطاطس، وغسّالة صحون، ومسوقة عبر الهاتف، كما تدون أفكارها أثناء تنقلها في حافلات النقل العامة في لوس انجلوس، وتوظف الاشخاص الذين تراقبهم في رسم الشخصيات والسيناريوهات المحتملة.

نتج عن هذه المواظبة المستمرة اثنتا عشرة رواية ومجموعتان من القصص القصيرة. في العام 1976، شقت "بتلر" طريقها إلى الشهرة بعد نشر روايتها الأولى "باترين ماستر"، وكانت تُصدر كتابا واحدا سنويا حتى عام 1980. ورغم فوزها بجوائز "هوغو ونيبيولا" عدة مرات والتي تعد أعلى تكريم في أدب الخيال العلمي، لكن شهرتها خبت على مدى العقد التالي. وبينما بدأ إنتاجها بالتناقص، كانت شهرتها تتنامى، حتى اصبحت في العام 1995 أول مؤلفة خيال علمي تفوز بمنحة "ماك آرثر" المرموقة. تتحدى قصصها غالباً الفرضيات الاساسية للخيال العلمي الكلاسيكي، مثلا تتخيل الطرق التي قد يخضع بها البشر للفضائيين بدلا من مقاومتهم. واظهرت "بتلر في كتب مثل "كيندرد" و"داون"، الطرق التي يؤثر بها الجنس والعرق والتوجه الجنسي على رؤى المستقبل والماضي. حتى اصبحت عادة الكتابة التي بدأت وسيلة للهروب من الحاضر، طريقة للكشف عن أسرارها.

قامت "بتلر" بكتابة الكثير من أعمالها الابداعية على الآلة الكاتبة. وكانت أول واحدة هي "ريمينجتون" المحمولة، أما الثانية فكانت هدية من معلمها الأول المؤلف وكاتب الخيال العلمي "هارلان إليسون". لكن للاسف، سُرقت العديد من الآلات من منزلها في لوس انجلوس. تبرّعت "بتلر" بواحدة من آلاتها الكاتبة المفضلة من طراز "أوليفيتي ستوديو 46" ذات اللون السماوي لـ "متحف أناكوستيا المجتمعي" لمعرضه 2003-2004 "كل القصص حقيقيّة"، الذي أُحتفى خلاله بأدب الاميركان السود. وعند تبرعها بآلتها الكاتبة كانت "بتلر" تحظى باحترام كبير كونها واحدة من مهندسي "أفروفوتشوريزم- الجمال الثقافي الأفريقي". توفيت بعد عامين من المعرض عن عمر ناهز 58 عاما.

كانت عادتها في الكتابة التي جعلتها تستمر في الحياة حتى في اصعب لحظات حياتها، مثل وفاة والدتها عام 1996. وفي حديثها مع صحيفة "لوس انجلوس" عام 1998 اثناء الترويج لروايتها "حكاية المواهب" قالت: "المآسي الكبيرة في الحياة لا يمكن تعويضها، لكن القصة تساعد على تجاوزها كما ترى".


عن مجلة سميثسونيان ماغ