(واتربم) في ذاكرة!!

آراء 2019/07/04
...

حسين الذكر
 

كم أدهشني منظر بعض النواب ممن منَّ الله عليهم بنعمة الوصول الى قبّة برلمانية ومكانة ومسؤولية ومنزلة وامتيازات كانوا لا يستطيعون حتى الحلم بها، لكنهم للأسف الشديد ما زالوا يفكرون بعقلية ضيقة تشبه أماني وطموحاتهم أيام زمان، حينما كانت لا تتجاوز خمسة لترات نفط للمدفأة شتاء و(واتربم) للمبردة صيفا.. الحياة لا تدوم ولو دامت لغيرك ما وصلت اليك .. هكذا نقش الامام علي بن ابي طالب كلماته بحجر الاخلاق الثابت مذ الخليقة حتى القيامة، لكن اكثرهم لا يستوعبون او يتجاهلون .. ان المنصب هو تكليف وليس تشريبا ومسؤولية لا تقبع بين ثناياها الألاعيب صبيانية او العقود التجارية .. فقد مات خزان الأموال وهم احياء ... والعلماء باقون ما بقي الليل والنهار.
لا أعلم من أيِّ بصيص التقط الامل، فأغلب ما يستشري ببيتنا وشارعنا ومدينتنا هو نتاج سقطات الواقع السياسي والامني والخدماتي والقيمي المتدني جداً والملموس من (عبوسي الى ساسوكي)، فلا يمكن لشخص ما يحاول استحمارنا بطريقة لا تليق بنا ولا بزمن العولمة ولا مقتضياته قائلا: (نحن بخير وميزانيتنا تصرف من اجل استنهاض العراق والرجل المناسب بالمكان المناسب والخدمات تسير وفقا للخطط الخمسية والعشرية والعقلية الاستراتيجية، وان السلام قادم والتنافس وطني مهني خدمي تام تستخدم فيه كل سبل الصناديق الانتخابية وآلياتها الديمقراطية .... وما هي إلّا أشهر وستجدون أنفسكم ترفلون بربوع المدينة الافلاطونية الفاضلة والمبادئ الإسلامية الخالدة).
رأيت صديقي يبكي برغم كل شجاعته ومبدئيته وعقليته وايمانه واخلاصه لعراق عاش به اكثر من ستين عاما، قضاها بالجد والتعب والخدمة العامة، فقلت له خير ان شاء الله .. فقال: (إنّ ابنتي على وشك الموت !!) ..  ياساتر .. ان انتظار الخوف أشد من الخوف نفسه)، هكذا رددت بنفسي .. ثم أخذ يسرد عليَّ معاناته، شاكيا لله حاله: (لقد شكت من ألم في الظهر، وذهبت بها الى الطبيب بعد ان يئس العراقيون من اغلب مستشفياتنا التي لم يعد فيها حتى البراستول، فشكوا بمرض خبيث. من هنا بدأت عمليات التلويع، فمن تحليل الى اشعة وتصوير ومن سونار الى رنين ومن طبيب الى طبيب ومن بغداد الى المحافظات ومن دولة الى دولة ومن صرف الى صرف حتى بعتُ كلَّ شيء في زمن لم يعد يسمع فيه انين الفقراء، بعد ان ضجّ ضجيج اهل السلطة والمال .. حتى تعبت ومللت ويئست الا من رحمة ربي .. ثم قال لي الطبيب معزيا: (عليك ان تعد ايامها وتجهّز نفسك للبلاء .. وانا لله وانا اليه راجعون).
هذه القصّة ليست وليدة حلم طوباوي ولا من قلم معارض او صحفي يقتات على سقط متاع الاخبار والالتقاطات الكاذبة هنا وهناك لاجل التلفيق، ولا ببلد فقير يعيش على المساعدات الدولية، ولا ببلد دكتاتوري، سدت أبواب السلطة على رأي استبدادي ومن طبل له ولا ولا حتى يشيب الرأس وتحمل الأمهات شيبا، بل انه في عراق الديمقراطية عراقنا الجديد الذي انتظرناه عقودا وعقودا، ودفعنا من اجل بلوغه آلاف المشانق والزنزانات والمقابر الجماعية والانفال وحلبجة .... وتاريخ لا ينتهي فيه سيل الدم .. فهل حقا كنا ننتظر ما نعيش ونرى .. انه سؤال موجه الى حكومتنا الموقرة وقبة البرلمان والسادة أعضائها المحترمين وكل عراقي أصيل .. في ضرورة ان تكن هناك صحوة تهزّ السوط وتخضّه خضّا حتى يمكث ما ينفع الناس فيما يكنس الزبد نحو مزابل التاريخ!