مؤتمرات السرد في المشهد الثقافي العراقي

ثقافة 2025/01/28
...

 بغداد: نوارة محمد


منذ أن شهد الواقع الثقافي العراقي حراكاً ملحوظاً ونهضة فكريَّة ظهرت في سنواته الأخيرة شهدت المؤتمرات الفكرية والمهرجانات الثقافية نقلة نوعية، وكمية، بدت متشعّبة ولا حصر لها، ومؤتمرات السرد هي واحدة من هذه الظواهر التي انتعشت في ظل هذه التحولات الاجتماعية والظروف الاقتصادية والأوضاع 

الثقافية.. هل يجسّد هذا التحّول حالة استعراضية خرج عن سياقه الثقافي وبُعده الثقافي الذي يخدم الواقع السردي أم أن الواقع الثقافي بحاجة لهذا الانتعاش؟ 

البعض يرى أنَّ هذا التوجه الهائل والإقبال جسد حالة مهمة تصنع نوعاً من التوازن في الاهتمام النقدي بين الشعر والنثر، لا سيما أن الأخير بحاجة لجهود حثيثة، وآخرون يرون أن المشهد السردي ومؤتمراته بحاجة لإعادة غربلة، بل إن هذه الأعداد التي نشهدها من المؤتمرات لا تعكس حالة تطور ثقافي يتناسب مع حضوره الثقافي لا بل على العكس، إنها تتشكل لأغراض شَكلية كما قال الناقد والباحث أحمد جار الله: إنّ "مؤتمرات السرد مهمة كونها تصنع نوعاً من التوازن في الاهتمام النقدي ما بين النثر والشعر، ولا سيما أنَّ الأخير (الشعر) قد استأثر بالكثير من الفعاليات الثقافيَّة، وحان الوقت للالتفات إلى السرد في عصرنا الذي وسّع مفهوم السرد حتى خرج به من اللغوي والمكتوب إلى المرئي على وسائل التواصل الالكتروني، فبات السرد حاضراً في الصورة بأنواعها، والأفلام، والدعايات والأغاني، والأخبار، كما أنَّ الأشكال السرديَّة الحديثة مثل القصة القصيرة جداً، والقصة القصيرة والرواية بحاجة إلى مواكبة نقديَّة تتناسب وأهميتها وحضورها في ثقافة العصر، لأنَّ السرد بات توأم الشعر في صدارتهما لديوان العرب، فضلاً عن شيوع ظاهرة التداخل بين الأجناس التي يعد السرد واحداً من تقاناتها الأثيرة في قصيدة النثر مثلا، مثلما تعد اللغة الشعريّة عامل جذب للسرد في القصة القصيرة 

جداً.

وفي هذا السياق يعتقد القاص والروائي محمد خضير أنَّ مؤتمرات السرد يجب أن تكتسي بغطاء نظري أساسي، وتبتعد تماماً عما يجعلها استعراضاً محلياً وحسب. وبدلاً من هذا التشتت المناطقي لمؤتمرات السرد كان يجب أن تتمركز الجهود النقديَّة في مؤتمر استكشافي واحد؛ ومن الأفضل أن يكون هذا المؤتمر عربيَّاً، يتشكّل بتوقيت واحد في عواصم عدة مثلما كان يحدث خلال سنوات سابقة، مؤكدا: وبهذا فإنّ مهام عديدة ووجهات نظر عدة  يمكن أن تُصاغ داخل المؤتمرات الدوليَّة أي أنَّ "يبّئر" وجهات نظر مختلفة مثلما تفعل مؤتمرات عالمية عُقدت في موسكو وباريسودلهي، مشيراً الى أنه قد يحتاج نقل مفهوم "التبئير" من موقعه المفرد، وإعمامه على اجتماعات السرد عامة. 

وأضاف: أنّنا بحاجة إلى انتقاله من "النص" إلى "العمل"، المشهد السردي بحاجة كذلك إلى إيضاح آخر يبرر المنطلقات والنتائج المتوخاة من انعقاد مؤتمر سردي عربي- استكشافي. 

مبيناً أنّ "النتائج هي الفكرة الأساسية من إقامة المهرجانات والمؤتمرات، والمشتغلون في مؤتمرات سردية سابقة- عربية وعالمية- كان هدفهم الاساسي والأول هو ايضاح آليات اشتغالاتهم في القصة القصيرة والسيرة والرحلة والتقرير السردي على البقاء إلى جانب أجناس أكثر رسوخاً في مجالها التاريخي كالرواية". 

البعض يعتقد أنَّ ظاهرة مؤتمرات السرد لا تختلف كثيراً عن ظاهرة المهرجانات الشعريَّة، وهي ظاهرة للأسف لا تخدم الواقع الثقافي في العراق مثلما حدث في عام 2024 حيث أقيمت العديد من المؤتمرات والمهرجانات والتي انتهت بمثل ما ابتدأت من دون أن تترك أي تأثير على الساحة الثقافيَّة، الكاتب والصحفي علي حسين بيَّنَ لـ (الصباح) أنَّ "ظاهرة مؤتمرات السرد لا تختلف كثيراً عن ظاهرة المهرجانات الشعريَّة، وهي ظاهرة للأسف لا تخدم الواقع الثقافي في العراق، في عام 2024 أقيمت العديد من المؤتمرات والمهرجانات والتي انتهت بمثل ما ابتدأت من دون أن تترك أي تأثير على الساحة الثقافيَّة، كنت آمل من القائمين على هذه المهرجانات والندوات أن يقيموا مؤتمرات وندوات موسعة تتناول قضايا الادب في العراق ومدى تأثيره في القرّاء، وأن يتم الاهتمام برموز السرد العراقي بعيداً عن المؤتمرات التنظيريَّة التي لا يخرج صدها خارج قاعة المؤتمر، إقامة مؤتمر سنوي واحد مهم، ومهم أيضاً أن يتم من خلاله استذكار رموز الرواية العراقيَّة مثل غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي وعيسى مهدي الصقر الذين غابت أسماؤهم للأسف عن مهرجانات ومؤتمرات السرد في بغداد".