جاكلين سلام
في السجن، صوتك يرتطم بالجدار ولا يكترث بك أحد.
في السجن، رأسك الذي يدوس عليه السجان ولا يلتقط المصور لقطة تذكاريَّة.
في السجن، تموت بين شفتيك الكلمات التي أردت أن تقولها لحبيبتك حين كنت خارج السجن.
في السجن، أنت رقم يحمل وهماً عن تحرير الوطن من قبضة السجان.
في السجن باب خيالك يتسلل نحو اللحظات السعيدة التي اختبرتها خارج القفص.
*
في سجنكَ ممر سري يمتد من رأسك إلى آخر المدى. كنتَ إليه تدعو الأصدقاء ليل نهار وهكذا نجوتَ منهم ومن نفسك ومن الجدران.
الجدران لا تعرف الأخلاق.
ليس الطاغية وحده الذي يمجّد سياسة الجدار العازل بيني وبينك.
الجدار، قيمة رمزية ومعنوية وتعنينا نحن الأفراد الذين ولدنا في شعوب تقتعد أن "للجدران آذان" وتؤمن بأن "ظل الرجل أرحم من ظل الحائط" وعلى المرأة أن تعيش مع رجل أكثر قوة من الجدران.
*
الجدار، لا يحتاج الى ملايين الدولارات كي يبنى، فهو مشيد بصمت في كيان بعض الأفراد. البعض يقف قبالتك مبتسماـ يكلمك بمجاملة فظة شديدة البهجة، وفي الوقت نفسه، هو يعرف أنه يقف خلف جداره، وأنت تعرف أنه حذر جداً من أن يتخلخل اتزان الجدار العازل بينك وبينه. جدار وهمي مطلي بالابتسامات والكلام المنمق. بعض الجدران، تنهار أمامك لمجرد أن ترميها بكلمة في الصميم، في عمق الكائن الذي يتجول حولك، يأكل من صحنك، ويأخذك الى مشاهدة فيلم السهرة أحيانا.
*
أما الذين يتخففون من أثقال الجدران، وتصبح أرواحهم أثيرية، فهؤلاء يبكون كالأطفال، يعشقون الأشياء والوجوه والأفكار الصريحة المعلنة التي لا تستند الى أحد كي تصل الى أحد أو مكان.
المعضلة تكمن في أن تتعرّف على الجدار الذي قبالتك، ماهيته، ماذا يكمن خلف الجدار، من أي طينة جُبل الجدار قبل أن يصبح سجناً.
*
ليست الجدران في امريكا والسويد وكندا فقط. ولشدة التباسي يا أمي، لا أستطيع أن أدلك على الجدران كلها. كنت أعرف أن قلبك اجتاز اختبار الجدار الفاصل ما بين الحياة والموت، ما بين الألم والأمل، ما بين الخيبة واشراقة الروح. روحك الزهرة التي تتسلق كل يوم جدار الأيام، تمد جذورها في قلبي أعمق.
الجدران في بيتك، تقول لك أشياء عني وأنت في القلب تبكين وتعرفين أن الجدران بلا قلب ولا رب.
جدران-كائنات هذا العالم مطلية بألوان معاصرة، تتحرك بدقة ماكرة وتلقي خطابات على الشعب السجين، وتدلق المواعظ فوق ألواح الطين.
*
قبل أن نرفع الحظر عن خطبة الجدار الجدير بالبناء، علينا أن نزعزع كل جدار يفصلنا عن عالمنا الداخلي ونكتب تراجيديا الجدران التي كانت شاهدة على الأيام التي تذهب إلى القبر، كما لو أنها تسير في منتزه الغرباء وهي محاطة بالغبار والضباب والأقنعة.
*
عمت مساءً أيّها القلب الذي له جدار ومنافذ وأبواب، أيها البيت الكوني، أيها السجن.
سيمفونية الجدران تتداعى كلما اقتربت خطوة من فهم طبيعة الجدار.