موجة ساخنة لسوء الفهم

آراء 2019/07/05
...

ساطع راجي
 لنعترف أولا إن حزام بغداد منطقة حاسمة في الاستقرار الامني ليس للعاصمة فقط وانما لثلاث أو أربع محافظات (بغداد، الانبار، بابل وكربلاء الى حد ما) ولذلك فإن التعامل مع هذا الحزام يجب أن يتصف بالوضوح والدقة فكل اجراء اداري او أمني أو اقتصادي قد يعيدنا الى مرحلة التوتر الامني.
لنعترف أيضا، إن أي عملية تغيير او تطوير في او استثمار لبقعة ما في أي مكان على الارض ستؤدي الى الحاق ضرر ببعض السكان، لكن هذا الضرر الجزئي يجب الا يمنع من تحقيق النفع الاكبر، ولو تم اخذ كل ضرر بالحسبان لما نفذت الدول اي مشروع بل ان بعض هذا الضرر قد يمتد الى بلدان أخرى أو يضر بالبيئة لمنطقة واسعة، وغالبا ما تحدث محاولات لتقليص العوارض السلبية للبناء وتعويض المتضررين، وفي بعض الحالات يكون التعويض مغريا ويقفز بسكان منطقة ما من حضيض الفقر الى قمة الغنى.
في كل محافظات العراق وفي بغداد تحديدا، واجهت كل المشاريع صعوبات في التعامل مع من يستغلون الارض سواء كان الاستغلال قانونيا أو غير قانوني، وفي أكثر من حالة تحول الموضوع الى تحريض سياسي وتهديد عشائري وابتزاز من الاهالي لمنفذي المشاريع حتى لو كانت المشاريع تلبي حاجات المواطنين، وقد تلاشت بعض المشاريع بسبب هذه العقدة.
لنعترف أيضا، إن الحديث عن مشاريع استثمارية للاراضي المحاذية لمطار بغداد ظهر فجأة ولو لم يحتج السكان وبعض ممثليهم السياسيين ما كان لنسمع به من جهة رسمية وهذا تقصير كبير في اعلام الجهة القائمة على الاستثمار التي كان الاجدر بها ان تعلن عن خططها بوضوح سواء كان هناك متضررون من هذه الخطط أم لا، ليس فقط لتجنب المشاكل الامنية والسياسية بل لإن من حق الرأي العام الاطلاع على كل المشاريع قبل المباشرة بها.
لقد سارع الساسة الذين يعتبرون انفسهم ممثلين لسكان حزام بغداد الى تبني خطاب تحريضي وكان الاولى بهم الاستفسار رسميا من الجهة المعنية عن التفاصيل قبل اعلان مواقفهم التي يجب في كل الاحوال ان تكون مطلبية بلا توظيف طائفي يهدد الاستقرار الامني الثمين.
وفي سلسلة الاعترافات، علينا التكاشف بإن اي مشروع استثماري هو موضع شك جماهيري بغض النظر عن مكانه او المحافظة التي ينفذ فيها، ومعظم الاضطراب الذي تشهده ادارات المحافظات بذريعة مواجهة الفساد سببه الخلاف على الحصص في المشاريع الاستثمارية بين الاحزاب ويتحول الصراع على المشاريع الى طائفي او قومي عندما يتنوع السكان حتى لو قاد الى إشعال الفتنة.
المواطن العادي الذي يسكن خارج منطقة الخلاف، الذي لايمتلك معلومات دقيقة عما يدور بشأن مشاريع مطار بغداد يتبنى فكرة بسيطة واضحة تقول إن مجموعة سياسية ما غنمت فرصة استثمارية عملاقة وان مجموعة سياسية أخرى تريد المشاركة في الغنيمة، قد لاتكون هذه الفكرة صحيحة لكن إرشيف المشاكل العراقية تقود الى هذه الفكرة عندما تغيب المعلومات.
المشاريع الاستثمارية في العراق غالبا ماتكون موضع شك ولدينا قائمة طويلة جدا من المشاريع التي بقيت حبرا على ورق او توقفت في مراحلها الاولى بعدما استنزفت اموالا طائلة ومشاريع تبين انها غير مفيدة او ليست كفوءة وعليه من المتوقع دائما ان لا نربح من مخططات المشاريع غير معاركها السياسية والخسائر الأمنية.
المكاشفة بشأن مشاريع المطار وتطمين السكان هي أفضل السبل لتجنب خطر موجة ساخنة نتيجة لسوء الفهم المشترك في صيف لاهب يدفع لارتكاب الحماقات مع التوضيح الجاد والحازم بضرورة تجنب التحريض في اي نقد او اعتراض.