يزدحم الفضاء الاعلامي العربي بقنوات تلفازية وإذاعات،متباينة الاتجاهات والأهداف والخطابات،وذلك وفقاً لتعدد الانظمة السياسية ومصالحها المتضاربة،ويعد اتحاد اذاعات الدول العربية،من أهم المنظمات الاقليمية العربية المتخصصة في تنسيق وتبادل البث الاعلامي العربي،منذ خمسين عاماً،مرّت خلالها المنطقة العربية بتغيرات جوهرية وكوارث ونكبات، جعلت من حلم الوحدة العربية مستحيلاً في المستقبل المنظور، ولم يتبق من قرارات مؤتمرات القمة العربية المتعددة سوى أكداس من الورق الذي ينطوي على وعود سياسية واقتصادية وأمنية،لم يحصد منها المواطن العربي سوى السراب، أما قضية فلسطين التي كانت قضية العرب الأولى فقد غابت خلف ضجيج الحروب والانقسامات وتيارات الفكر التكفيري الإرهابي!
وسط هذا المشهد العربي نظم اتحاد اذاعات الدول العربية في تونس المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في دورته العشرين أواخر الشهر الماضي، وقد تزامن المهرجان مع الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد الذي انطلق من الخرطوم عام 1969 ثم القاهرة، واستقر، منذ مطلع الثمانينيات، في تونس، وهو يواصل اليوم مسيرته نحو صياغة خطاب إعلامي عربي موضوعي متزن، يجمع ولا يفرق، عبر التنسيق والتعاون والتكامل والتبادل، حيث يكون العقل العربي هو ميدان العمل، ويصبح التنافس مشروعاً، في فضاء الإبداع الإعلامي والثقافي والفني. حضور الإعلام العراقي ومشاركته في فعاليات ومسابقات المهرجان يفتح نوافذ متعددة نحو رؤية جديدة للعلاقة مع الأشقاء العرب ويقدم صورة حقيقية عن التجربة الديمقراطية الجديدة، بعد أن ظل العراق عقوداً طويلة، مصدر صراع وعداء وتشويه، وعاش بعد سقوط النظام الدكتاتوري محنة سوء الفهم من قبل بعض الأشقاء، الذي انعكس في خطابات عربية منحازة، في ظل تجاذبات المنطقة، وتداعيات الأحداث الجسام وتناقضات المصالح الدولية. شاركت شبكة الاعلام العراقي من خلال وفد رفيع،في نشاطات المهرجان،وضمت لجان التحكيم في مسابقاته الإذاعية والتلفازية عدداً من الإعلاميين الأكاديميين المهنيين، وحصد العراق جوائز مهمة، رغم شدة المنافسة، في مقدمتها الجائزة الأولى في البرامج الحوارية الرسمية، لبرنامج (دينار) الاقتصادي الذي يعده ويقدمه قيس المرشد، في حين حصلت قناة كربلاء الفضائية على الجائزة الثانية في البرامج الحوارية للقنوات الخاصة لبرنامج (خلف الأبواب) الاجتماعي، وتم تكريم مقدمة البرنامج زهراء فوزي بجائزة الإبداع، ومن المؤسف أن كثيراً من القنوات العراقية الحزبية والخاصة لم تشارك في المهرجان، وفقدت فرصة الظهور والتنافس الابداعي في أهم مهرجان اعلامي رسمي عربي!
وقد بلغت الأعمال المرشحة لمسابقات المهرجان نحو 140 عملاً ومشاركة ثلاثين هيئة اذاعية وتلفزيونية رسمية (عمومية) وست عشرة هيئة خاصة، عربية وإقليمية وعالمية. ويمكن من خلال تجربتي المتواضعة في لجنة تحكيم المهرجان لعامين متتاليين أن أقدم بعض الملاحظات المفيدة للقنوات والإذاعات التي ترغب في المشاركة في المهرجان مستقبلاً، وكما يأتي:
1- إنَّ الانتماء الى اتحاد اذاعات الدول العربية من قبل المؤسسات الاذاعية والتلفزيونية يعدُّ شرطاً للمشاركة في فعاليات المهرجان السنوي، ويتعين على تلك المؤسسات الدخول الى هذا الفضاء الاعلامي التعاوني وعدم التغيب عن فرصه ونشاطاته المتعددة، وألا تشكل الرسوم المالية للانتماء مانعاً أمام اقتحام ميدان المنافسة الابداعية. 2- ضرورة تشكيل لجنة لاختيار وترشيح البرامج في كل إذاعة وقناة تلفازية، وذلك قبل إرسالها الى لجان التحكيم في المهرجان، وأن تغطي المواد المرشحة كل مسابقات المهرجان وتشمل نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والتقارير والدراما والبرامج العلمية وبرامج الأطفال التوجيهية، والبرامج الوثائقية وبرامج السهرات والمنوعات الفنية والبرامج الرياضية (الاستوديو التحليلي) وومضات التوعية والتنويه الاذاعي ومقدمة البرنامج ونهايته (التيتر). وقد لوحظ أنَّ أغلب القنوات لم تشارك في كل المسابقات، وأن اختيار البرامج المرشحة القليلة المرسلة لم يخضع لمعايير انتقائية دقيقة وموضوعية وإبداعية لكي تكون قادرة على خوض المنافسة ومن ثم الفوز. 3- هناك مواصفات ينبغي مراعاتها في المشاركة في مسابقات المهرجان، من أهمها الروح الابداعية والتميز في مضمون وشكل البرنامج، ابتداءً من الفكرة أو الرسالة ثم الإعداد والتقديم والإخراج وتوفر التقنيات المتطورة في الديكورات والمؤثرات السمعية والبصرية والإنارة والوسائط المتعددة والتفاعلية.
4- إنَّ نشاطات المهرجان لا تقتصر على المسابقات البرامجية فحسب، بل تشمل الندوات التخصصية التقنية حول التبادل والإرسال والحفلات الفنية وتكريم المبدعين العرب، ويمكن لكل مؤسسة اعلامية عربية الحضور والمشاركة في ظل سباقٍ سنوي إبداعي راقٍ.