تموز.. الانقلاب الذي غيَّرَ وجهَ العراق

آراء 2019/07/07
...

سعد العبيدي
خاض حزب البعث العربي الاشتراكي تجربة انقلاب في الثامن من شباط عام 1963، وتجربة حكمٍ فاشلٍ في حينه لم يصل أمدها السنة، لكن الحزب المذكور له خصائص يختلف على وفقها مع باقي الأحزاب الأخرى التي تأسست في زمانه، أهمها ديمومة السعي للوصول الى السلطة بأية وسيلة كانت، حتى لو جاءت استخداماً مفرطاً للقوة، كذلك عدم الاقتناع بغير حكمه سبيلاً لتحقيق الأهداف، وإنْ كانت الطريق إليها محفوفة بمخاطر تفتيت المجتمع والأمة، وأخرى غيرها خصائص دفعته الى الاعتراف بفشل التجربة السياسيَّة للحكم ذلك العام، وانتقادها سبيلاً لاستيعاب الانشقاقات التي حصلت بسببها أواخر العام، ولملمة الشتات الذي تجمع أخيراً لجناحين متنافسين يمتد الأول الى ميشيل عفلق، ويتصل الثاني بسوريا حافظ الأسد. سار كلاهما بخطٍ متوازٍ مع الآخر باتجاه الوصول الى السلطة، أي الانقلاب على حكم عبد الرحمن عارف، الذي ورثه عن أخيه عبد السلام في 17 نيسان 1966، بعد مقتله بحادث سقوط طائرة سمتية في منطقة النشوة من البصرة. وراثة أو توريث باستخدام التهديد لمستوى وصفه البعض من المؤرخين بالانقلاب الأبيض للعسكريين المتنفذين، في تمثيلية لانتخاب الرئيس، قد لا يكون المرحوم عبد الرحمن معنياً بها أو مخططاً لحصولها لأنَّ شخصيته مسالمة تختلف كثيراً عن شخصية شقيقه عبد السلام، الشخصية المجازفة حد التهور في بعض الأحيان.
كان الرئيس عبد الرحمن واثقاً بمن حوله بل كان مفرطاً بالثقة بمن حوله من الضباط في الحرس الجمهوري والاستخبارات، لأنهم من امتدادات نظام شقيقه عبد السلام، وهم من عشائر الأنبار، وهذه الثقة هي التي أوقعته في مأزق الانقلاب وسهلت حصوله، من ناحيتين الأولى خشية الأنباريين في الجيش من التآمر على عبد الرحمن واستيلاء الغير على الحكم، فآثروا التآمر بأنفسهم أو الاتفاق مع غيرهم من المتآمرين، والثانية تجاوز عبد الرحمن بسبب ثقته المفرطة بالتقارير والتحاليل الاستخبارية في التعامل مع المتربصين له، والساعين الى الانقلاب عليه بينهم البعثيون، واللجوء بدلاً من التحقيق بصحتها، الى طلب القَسَمْ بالقرآن الكريم، سبيلاً لتبيان الحقيقة. وأكثر من هذا الشعور بضيق حلقة التأييد والدعم لوجوده، حتى ورد عن المقربين منه أنه قد حضر اليه صديق له قبل الانقلاب بقليل، قائلا: “أبا قيس لم يبق للانقلاب المرتقب ضدك سوى ثلاث عشرة ساعة، احسم الأمر بنقل عبد الرزاق النايف من منصبه، وأنه الموضوع)، فقيل إنه أجاب: (لماذا تستكثرون عليَّ عبد الرزاق، الذي بقي وحيداً الى جانبي). فكانت أنْ صحت روايتها، سمات شخصية خاصة بالرئيس عبد الرحمن، وظروف سياسية ساذجة، ومواقف دولية مناسبة، وخيانة وطنية وأخلاقية متدنية، وضعت جميعها البعثيين على سكة الانقلاب، الذي انتظروه، وجدوا في بدايتها إبراهيم الداود وعبد الرزاق النايف خير فرصٍ لتحقيق الانقلاب الذي غيّر وجه العراق.