المخططات الإسرائيليَّة لاختراق الجغرافيا العراقيَّة

آراء 2025/04/07
...

 عادل الجبوري

 

انشغلت أوساطٌ ومحافلُ سياسيَّة وأمنيَّة وإعلاميَّة عراقيَّة وغير عراقيَّة في في الآونة الأخيرة، بالحديث عن مخططاتٍ إسرائيليَّة لتحقيق اختراقات في الجغرافيا العراقيَّة، وتوسيع نفوذ ووجود الكيان الصهيوني في المنطقة، عبر استغلال متغيرات الأوضاع في سوريا، بعد رحيل نظام الرئيس السابق بشار الأسد، واستحواذ «جبهة تحرير الشام» على مقاليد الحكم هناك.

لم يأت الحديث عن المخططات الإسرائيليَّة من فراغ، وإنَّما ارتبط بترويجٍ سياسيٍ وإعلامي كبير، ربما يكون مقصوداً من حيث التوقيت، من قبل الكيان الصهيوني، لما يطلق عليه مشروع «ممر داود»، الذي يراد من ورائه الوصول براً الى العراق عبر سوريا.

وإذا لم يكن ذلك المشروع في سياقاته النظريَّة، وليد لحظة «الانقلاب» السوري الدراماتيكي والسريع، فإنَّ ما حصل في دمشق فجر الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي وما بعده، هيأ الأرضيات والمناخات المناسبة لمراكز القرار الإسرائيلي، وحفزها للعمل بوتيرة متصاعدة للانتقال من مرحلة التنظير للمشروع الى التطبيقات العمليَّة له على الأرض.

وتجلت الملامح والمؤشرات الأوليَّة للتطبيقات والممارسات العمليَّة لمشروع «ممر داود» بدخول الجيش الصهيوني الى عمق الأراضي السوريَّة، ووصوله الى تخوم العاصمة دمشق، وقيام سلاح الجو الصهيوني بتدمير العديد من المنشآت العسكريَّة والاقتصاديَّة الاستراتيجيَّة في سوريا، من مخازن أسلحة وقواعد عسكريَّة ومصانع ومعامل، ناهيك عن دخول جهاز المخابرات (الموساد) بقوة الى سوريا بالتنسيق مع أجهزة مخابرات إقليميَّة ودوليَّة.

وتتمثل خلاصة مشروع «ممر داود»، الذي يعدُّ جزءاً من التشويهات الدينيَّة التأريخيَّة للكيان الصهيوني، في جانبٍ منها، بالامتداد من النيل الى الفرات، وهذا يقتضي تدمير وتخريب وتقسيم وإخضاع ثلاث دولٍ عربيَّة كبيرة ومؤثرة، هي مصر وسوريا والعراق. ويرى ساسة الكيان الغاصب أنَّهم نجحوا نسبياً بإخضاع مصر وسلبها زمام المبادرة من خلال إبرام معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت عام 1978، لتصبح الطريق سالكة أمامهم لإنهاء الدولة السوريَّة، وتحويلها الى دويلاتٍ متناحرة ومتصارعة في ما بينها، ليؤسس له الكيان الصهيوني وجوداً هناك، يتيح له الوصول الى العراق، بمساعدة ومباركة أطرافٍ وقوى دوليَّة وإقليميَّة مختلفة، قد تكون في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركيَّة.

ولعلَّ مشاريع ومخططات إغراق العراق بالفوضى والعنف والإرهاب بواسطة الجماعات والتنظيمات الإرهابيَّة التكفيريَّة، كـ»القاعدة» و»داعش» قد باءت بالفشل، وهو ما دفع بعض الدوائر الغربيَّة والصهيونيَّة الى أنْ تجرّبَ وتحاولَ تنفيذ مشاريع ومخططاتٍ أخرى، مثلما جربت وحاولت في السابق. وقد لا يختلف «ممر داود» كثيراً من حيث الجوهر والمضمون عن مشاريع من قبيل «الشرق الأوسط الكبير»، و»صفقة القرن»، أو عموم ما يسمى بـ»السلام الإبراهيمي»، تلك المشاريع التي تحركت بوتيرة سريعة نوعاً ما قبل خمسة أعوام، بيد أنَّ معركة «طوفان الأقصى»، التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عرقلتها وخلطت وبعثرت أوراقها.

ولا شكَّ أنَّ المخططات والمشاريع الصهيونيَّة التي استهدفت، وما زالت تستهدف، وحدة العراق، والسعي المحموم لتقسيمه وتشظيته جغرافياً، وبث الفتن والصراعات بين مكوناته، تعودُ الى المراحل الأولى لتأسيس الكيان الغاصب قبل نحو ثمانية عقودٍ من الزمن، وقد تصاعدت وتائر تلك المخططات والمشاريع بعد خضوع العراق للاحتلال الأميركي عام 2003، إلا أنَّ عوامل وظروفاً عديدة أسهمت بإحباط وإفشال كلّ ما سعت إليه تل ابيب ومعها واشنطن وعواصم إقليميَّة ودوليَّة أخرى. ومن تلك العوامل والظروف، وجود المرجعيات الدينيَّة، وتنامي الوعي المجتمعي، ووجود الغالبيَّة الضامنة، وطبيعة العلاقات الرصينة مع جهات صديقة.

وبينما تواجه سوريا اليوم تحدياتٍ وتهديداتٍ كبيرة للغاية، وتبدو الصورة ضبابيَّة ومشوشة فيها الى حدٍ كبيرٍ، لا سيما في ظل تقاطع وتصادم الإرادات والأجندات والمشاريع الخارجيَّة فيها، فإنَّ العراق نجح الى حدٍ كبيرٍ سابقاً في التغلب على ذات التحديات والتهديدات، وتحويلها الى فرصٍ وآفاقٍ واعدة. بيد أنَّ ذلك لا يعني أنَّ الأمور باتت على ما يرام بالكامل، انطلاقاً من جملة حقائق لا بُدَّ من أخذها بعين الاعتبار، لعلَّ من بينها:

- إنَّ الأمن القومي العراقي مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي لجيرانه ولعموم محيطه الإقليمي، لذا فإنَّ أي اضطرابٍ وفوضى سواء في سوريا أو غيرها من دول الجوار والامتداد الجغرافي، لا بُدَّ أنْ تنعكسَ سلباً على أمن العراق، والمؤشرات والمعطيات والدلائل على ذلك ليست قليلة، ولا عابرة، ولا غامضة. 

- وبما أنَّ مخططات ومشاريع الكيان الصهيوني التوسعي، تكاد تكون واحدة حيال كل دول وشعوب المنطقة، فإنَّ نجاحها في دولة ما لا يعني انتهاء الأمر عند ذلك الحد، وإنَّما على العكس، يعني التحفز والاندفاع بوتيرة أسرع وإيقاع أكبر نحو الأمام. ووصول الكيان الصهيوني الى سوريا، لا بُدَّ أنْ تجعله يضع العراق في سلم أولوياته خلال المراحل اللاحقة. 

- وجود نقاط التقاءٍ وتقاربٍ وتماثلٍ في المصالح والأهداف بين الكيان الصهيوني والتنظيمات الإرهابيَّة التكفيريَّة التي عاثت في الأرض فساداً في العراق على امتداد عقدٍ ونصف العقد من الزمن، والتي أصبح البعض منها يمسك بزمام الحكم في سوريا اليوم. وهذا التلاقي والتوافق في المصالح والأهداف بين تل ابيب والتنظيمات الإرهابيَّة، يعني في ما يعنيه، أنَّ العراق واقعٌ في بؤرة الاستهداف ضمن مشروع تفتيت المنطقة وتوسيع مساحات نفوذ وهيمنة الكيان الصهيوني، وهذا ما ينبغي التنبه إليه والحذر منه، رغم أنَّ مجمل الحقائق على الأرض، تؤكد أنَّ أوضاع العراق الأمنيَّة والسياسيَّة والمجتمعيَّة تختلفُ اليوم كثيراً عمَّا كانت عليه خلال الفترة المحصورة بين سقوط نظام صدام، ربيع 2003، وهزيمة داعش الإرهابي، نهاية 2017. كذلك تؤكد الحقائق، أنَّ متغيرات وتفاعلات المشهد الإقليمي، لا بُدَّ أنْ تلقي بظلالها وانعكاساتها على العراق، بالسلب والإيجاب على السواء، وهي بلا شك، متغيراتٌ وتفاعلاتٌ على قدرٍ كبيرٍ من الأهميَّة والحساسيَّة والخطورة.