بشارب «هرمز»

آراء 2019/07/12
...

حمزة مصطفى
أقرَّ رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي محقاً بخطورة غلق مضيق هرمز علينا. ففي مؤتمره الأسبوعي وصف رئيس الوزراء عملية الغلق إذا ما حصلت بأنها تمثل “عقبة كبيرة” أمام الاقتصاد العراقي. لماذا؟ لأنَّ اقتصادنا ريعي. والريعي مثل “الحرمة” قبل ثورة الحرية بـ “شارب الخيرّ” كما تقول أمثالنا الشعبية. لماذا بشارب الخيرّ؟ لأنها “حرمة” أي لا حول لها ولا قوة. هكذا اقتضت قوانين المجتمع قبل أنْ يكون هناك عيد للمرأة وآخر للأم وكوتا بالبرلمان ووزارة تحولت الى مصيبة تتساقط فيها القوارير من بين أيدي رجال أشداء يأبون رفعها إلا لكي لا تمر واحدة من هذه القوارير ولو على سبيل تنويع المشهد أو اكتمال الصورة خصوصاً إذا كانت سيلفي.
حالنا كعراقيين, شلع قلع, يعني نساءً ورجالاً, شجراً وحجراً, بمن في ذلك الكونكريت المرفوع الذي كان يخنق شوارعنا, بل حتى الحيوانات البرية منها والأليفة يعتمد على مضيق هرمز الذي تهدد إيران بغلقه في حال نفذ دونالد ترمب تهديده بتوجيه ضربة أو ضربات لها. الأمر ليس مستبعداً. بل كان هرمز قبل نحو أسبوعين على موعد مع الغلق لو كان ترمب قد دخل الحمام قبل توجيه الضربة بعشر دقائق, ودخول الحمام “مش زي خروجه”. لكنه رأفة بنا على ما يبدو وليس بالمئة والخمسين شخصاً الذين كانوا سيقتلون لو نفذت الضربة.
نعم عشر دقائق كانت كفيلة بأنْ تجعل رواتبنا نحن الموظفين والمتقاعدين والرفحاويين وأصحاب العقود غير المفسوخة والحماية الاجتماعية والأجور اليومية والمخصصات والإيفادات والكوميشنات والرشاوى و”اللذي منو” تتوقف لعدة شهور من دون بديل يفي بالغرض ويعالج الأزمة ويحد من تداعياتها الآنية والمستقبلية.
لغلق مضيق هرمز لو حصل تداعيات خطيرة على المنطقة وأمنها دولاً وشعوباً. هذا أمر لا جدال فيه ولا نقاش. لكن كل دول المنطقة وشعوبها بمن في ذلك إيران المستهدفة حالياً بالعقوبات الأميركية وهي التي تهدد بغلقه في حال تم خنقها نفطياً تماماً أو توجيه ضربة لها لا تعتمد مثلنا
 100 % على صادرات النفط.
كل هذه الدول وفي المقدمة منها إيران لديها بدائل واقتصادها متنوع بدرجة جيدة بحيث لا يمثل النفط نحو 95 % من الناتج القومي. وهذا يعني أن كل الدول المحيطة بنا والتي سوف تتضرر من مضيق هرمز هي أفضل منا بما لا يقاس في حال وقع المحذور لا سمح الله. فنحن نصدر النفط لكي تدخل مردوداته الى الخزينة نهاية كل شهر وتبلغ في العادة مليارات الدولارات ليتم توزيعها كرواتب وأجور عبر الكي كارد أو الماستر كارد ومشتقاتهما. بمعنى إننا كل يوم 30 الشهر نولي وجوهنا شطر وزارة المالية التي لم تقصر في التوزيع “على داير المليم” لنبدأ كل واحد بالشهر الجديد رحلة تصفير العداد المالي والنفطي معاً بانتظار مجهول قادم بلا منغصات تتعلق بالأسعار مرة ارتفاعاً أو هبوطاً أو بمضيق هرمز الذي يبدو أنَّ كل شيء فيه يقف على قرن ثور.
هذا الثور لم يكن له سوى عنوان واحد هو فشلنا في التحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد سوق برغم كل الشعارات التي رفعناها منذ 16 عاماً أو الوعود التي قطعناها. هذا هو الحل الوحيد, الاستثمار والتنمية المستدامة, الذي يجعلنا نبعد عن مضيق هرمز و.. نغني له.