17 تموز، الانقلاب، والخيانة

آراء 2019/07/15
...

سعد العبيدي 
 
كان جناح حزب البعث لميشيل عفلق هو الأقوى في ساحة التآمر والانقلاب، وكانت الساحة الداخلية للعراق قبل عام 1968 ملائمة للانقلاب، حيث الاقرار بضرورة التغيير، من قبل القادة المعنيين بحماية الرئيس عبد الرحمن، تلافياً لاحتمالات ضياع المكاسب المتحققة. وكان الجناح البعثي اليساري، الممتد الى حافظ الاسد لا يقوى على السير في طريق الانقلاب، لعدم امتلاكه رموزاً عسكرية قيادية يعتد 
بها. 
وكان الشيوعيون يئنون من جراح الابادة الجماعية، لتنظيمهم العسكري والمدني، بعد مجازر 1963، ومع انينهم هذا، اشهر الغرب بطاقة حمراء، لا تسمح بحراكهم لعمل انقلاب. وكان القوميون واهنين، بعد تكرار محاولات فاشلة عدة للقيام بفعل الانقلاب، وهم مثل الشيوعيين يعانون من الانحياز الدولي في غير صالح تقربهم من الحكم في العراق. اما الاسلاميون فان دورهم لم يحن بعد لإدارة حكم المنطقة، وقواعدهم الحزبية المنظمة في الجيش، تكاد تكون معدومة. 
على هذا تبدو الساحة العراقية آنذاك مؤاتية لحراك البعثيين، الاقوى تنظيماً، والاكثر قبولاً في الساحة الدولية، فوجدوا في طريق حراكهم جهة أخرى تسعى بالاتجاه نفسه، قائداها اللواء الركن ابراهيم الداوود آمر لواء الحرس الجمهوري، والمقدم الركن عبد الرزاق النايف وكيل مدير الاستخبارت العسكرية. المركزان الاقدر على كتمان الحراك، وضمان نجاح التنفيذ، بحكم موقعيهما الى جانب السلطة العليا لإصدار القرار، وقربيهما من الرئيس... وضعٌ خاص، وجد فيه كل طرف مجازفة أقل للوصول الى الغاية. 
قبله الندان، مَثلَ البعث فيه كل من البكر وعماش، والمقابل لهم “ الطرف المستقل” بالإضافة الى الضابطين المذكورين، أي الداوود والنايف، كل من العميد حماد شهاب آمر اللواء المدرع العاشر والمقدم سعدون غيدان آمر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري، وان انتظما في صفوف البعث لاحقا. 
تم الاتفاق بينهم، ونفذت الخطة بدقة ، ودخل الانقلابيون القصر الجمهوري، صبيحة 17 تموز، محذرين الرئيس بإطلاقة مدفع دبابة، جعلته يوافق على مغادرة الحكم والعراق فوراً.
لقد نجح التحالف في الانقلاب، ونجاحه يؤشر، انه تحالف مصالح وخيانة تم بسرعة، وانجز بسهولة، اثيرت حوله اقاويل، لم يصل المؤرخون والباحثون الى صحة حدوثها فعليا، فأبقوها عائمة يتم تداولها تبعا، للقرب والبعد من أطرافها، وتبعاً لاستعراضات القوة في مجالها، قال عنه البعثيون أنهم من أسسه وهم من خططوا وأقحموا النايف والداوود فيه ليضمنا النجاح، وقال عنه المقربون من الداوود والنايف، أنهما وبعد فترة من حكم عبد الرحمن استشعرا ضعفه، وخشيا حصول انقلاب من قبل الناصريين او الشيوعيين او البعثيين، ما دفعهم الى التخطيط لاستباق الانقلاب المحتمل بانقلاب فعلي. 
ولما عرفا بخطط البعثيين، واقترابهم من التنفيذ، ولافتقارهما الى البعد السياسي المحلي والاقليمي والدولي، وافقا على التحالف معهم لتحقيق الغاية، فكان الانقلاب توليفة مغلفة بأغطية الخيانة منذ اللحظات الأولى للاتفاق، مهد نجاحه لإرساء قواعد 
التدمير.