ذلك الملف القديم

آراء 2019/07/17
...

ساطع راجي
 

ملف العلاقة بين بغداد وكردستان يعودُ الى سخونته كما في بداية كل تشكيل حكومي، وحتى الآن تهيمنُ عقلية الاستقبالات الباسمة والحلول الإعلامية، التي تترك كل شيء معلقاً مع انتشاء الخطابات التحريضية المتبادلة عبر الشاشات من شخصيات ثانوية ويبدو أنَّ ثمة تخادماً سياسياً متوارثاً يحاول الإبقاء على حالة الخطر في العلاقة بين بغداد وكردستان لتستقر كل الملفات العالقة في منطقة رمادية وبلا سقف زمني وتكون الأولوية فيه للتفاهمات المؤقتة والعابرة التي تريد القول بأنَّ الأمور في أحسن حالاتها.
إنَّ خطورة بقاء العلاقة في حالتها الراهنة تتمثل في أنَّ كل أزمة خانقة سواء في بغداد أو أربيل قد يتم ترحيلها أو تجاهلها عبر افتعال أو استذكار أزمة بين الطرفين، كما يجد أي تدخل دولي في العراق منفذاً له عبر مشكلات هذه العلاقة، وأيضاً فإنَّ ضعف التنسيق والتعاون الأمني يترك مناطق شاسعة في حالة من الوهن الأمني بما يتيح للجماعات الإرهابية التحرك بحرية أكبر.
يصعب توصيف العلاقة بين بغداد وكردستان، والمؤكد إنَّ توصيف الفيدرالية (الاتحادية) يجانب الحقيقة رغم التداول اليومي لهذا المصطلح في الحديث عن العلاقة الشائكة بين الطرفين، المشكلة الأساسية إنَّ استخدام توصيف الفيدرالية للعلاقة بين الحكومة العراقية في بغداد والحكم في كردستان قاد الى تشويه سياسي وفكري ضرب العقل الشعبي، إذ كل من يتحدث أو يطالب اليوم بإنشاء إقليم جديد في العراق (سواء البصرة أو الإقليم السني) إنما هو يريد وضعاً مشابهاً لما في كردستان وعلاقة مثل التي بين بغداد وأربيل (التوصيف الأدق في ميزان القوة).
نحتاج دائماً الى التذكير بأنَّ وضع كردستان في العراق ليس نتيجة لإقرار دستوري بل هو وضع سابق على الدستور الذي حاول تكييف الوضع قانونياً لكنه اصطدم بوقائع صلبة وخشنة تدفع الى مراجعة الوضع في كردستان أولاً وترتيبه قانونياً وديمقراطياً (كحال لا كشعار) قبل الذهاب الى ترتيب العلاقة بين الدولة في العراق والإقليم في كردستان، وفي تفصيل آخر فإنَّ الحل الدائم للاشتباك بين بغداد وكردستان يستدعي حل الاشتباك بين السليمانية وأربيل أولاً ومن ثم الإجابة نهائياً على سؤال معقد عن منح الأولوية للحزب المناضل أو للشعب الخالد؟!، هل الحزب أكبر من كردستان؟! هل له الأولوية عليها؟، هل مصير ومستقبل كردستان معلق بمصير الحزب؟! سواء كان الحزب في السليمانية أو أربيل. المواطنون والمفكرون والساسة في كردستان يعترفون سراً أو علناً أنَّ هذه الأسئلة حاسمة ومصيريَّة وأنَّ الإجابة عليها تمهد بعد ذلك لتحديد مصير كردستان أو تحدد الشكل المتفق عليه كردياً والذي سيطالب به الكرد لعلاقتهم ببغداد، هذه التحديات رافقت القضية الكردية منذ بداية بزوغها كما رافقت بالمثل القضية الفلسطينية مع اختلاف العناوين.
لقد توقف تقنين العلاقة بين بغداد وكردستان مع توقف استكمال بناء مؤسسات الدولة الجديدة وتكييف جميع المؤسسات القديمة دستورياً، وصار الحديث عن هذا الاستكمال عرضة للتهجم بذريعة أنه ترف في توقيت غير مناسب ومن الواضح ان القوى السياسية في جميع العراق وبمختلف توجهاتها ليست متحمسة لهذا الاستكمال وتبتكر أزمات لتأجيله أو نسفه فهي تعيش أزمة كردستان نفسها، الحزب أولاً أم الدولة؟، وهي كما قلت الأزمة التي عطلت حل القضية الفلسطينية وبددت الدولة العراقية تحت حكم البعث.