عملت الإدارة الأميركية مؤخراً على سدّ المنافذ المالية أمام الفلسطينيين لإيصالهم إلى مرحلة اليأس، ودفعهم إلى القبول بأي حلّ للصراع، تحت عنوان «فصل السياسي عن الاقتصادي».
لكن الفلسطينيين أجمعوا على أن السيادة يجب أن تسبق أي تحرك اقتصادي، فقد اتبع المانحون على مدى أكثر من عقدين، وسائل قُدمت فيهما غالبية المشاريع والمساعدات الدولية إلى السلطة الفلسطينية عبر المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف، أو قُدّمت إلى المنظمات الدولية في فلسطين ليكون استمرار المشاريع والمساعدات مرهوناً بمواصلة السعي إلى التسوية وضبط الحالة الأمنية مع العدو.وبمعنى ضرورة إيصال الفلسطيني إلى مرحلة اليأس، سعياً لفصل الاقتصاد عن السياسة. لقبول المشاريع الاقتصادية تحت دعوى تحسين
ظروف حياتهم.
اليوم تأتي ورشة المنامة الخالية من أي اصطلاح سياسي يمنح الفلسطينيين سيادتهم. وتقترح 50 مليار دولار على مدار عشر سنوات مقبلة، ستوضع في صندوق جديد يديره مركز إنمائي متعدد، ليصبح بعدها الفلسطينيون عمّالاً لدى الشركات الجديدة، براتب مرتفع ومياه نظيفة وكهرباء دائمة عليهم دفع فواتيرها من دون أي دور سياسي لهم، علماً بأن المبلغ أقل بكثير من مجمل ما كان يمكن للسلطة أن تحصل عليه بالقياس إلى
المعدل العام.
وهكذا، تكون الأزمات التي صُنعت سابقاً وحالياً للفلسطينيين “المياه، الطاقة، المعابر، التكنولوجيا، الزراعة، التجارة، الصناعة” قد مرّت كلها وفق مخطط واشنطن التي لم تأتِ يوماً على ذكر “دولة فلسطينية” منذ تولت مهمة الوساطة في الصراع، وهنا نسأل إذا كان المجتمع الدولي والمانحون، بقيادة واشنطن، معنيين بازدهار الفلسطينيين، فلماذا لم يصغوا إلى خطابات المنظمات الدولية، عن الفقر والمياه الملوثة والحالة الصحية على مدار عشر سنوات؟ ولماذا سمحت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لإسرائيل بقصف وتدمير أكثر من ثلثَي مؤسسات السلطة ووزاراتها
في 2002؟.
تلعب الرؤية الأميركية الاسرائيلية على وتر السياحة بوهم تحويل الضفة الغربية وغزة لتصبحا وجهة عالمية جاذبة للسياح، وتتحدث عن تسهيلات للإقراض السياحي وإعادة تأهيل المواقع بقيمة تصل إلى 750 مليون دولار، تهدف في الأساس إلى القضاء على مواقع المقاومة وتغيير كل أشكال العسكرة أو الحالة الثورية التي لا يمكن ضبطها إلى حالة اقتصادية يسيطر عليها الاحتلال أمنياً. أي تحويل الضفة وغزة إلى منطقة صناعية واحدة بشركات دولية يعمل فيها الفلسطينيون لمصلحة عبور إسرائيل إلى المنطقة، سواء في البنى التحتية أو الدفاع المشترك أو المشاريع السياسية، جراء ذلك، لن يعود اللاجئون إلى فلسطين، بل سيجري توطينهم وفق مشاريع جديدة في دول الجوار أو الدول الغربية، أما القدس المحتلة، فستصير «منطقة سياحية» يسيطر عليها الاحتلال ويستفيد من مردودها
السياحي.
تبقى الحدود لتسيطر عليها شركات خاصة وسيطة بإدارة دولية تدرّ أموال الضرائب (المقاصة) للإدارة المدنية الجديدة التي ستأكل السلطة بصورتها الحالية، ثم يتحول الفلسطينيون في كل هذه الصورة إلى عمّال فقط يأكلون ويشربون وينامون من دون أي رأي
أو اعتراض.
واذا كانت الخطة تتضمن مقارنة بين التحول الاقتصادي المفترض في فلسطين وبين دول ذات تجارب تحول ناجح، وترصد نحو 900 مليون دولار لتطوير البنى التحتية في مناطق الوجود الفلسطيني، فانها تتجاهل ربط تنمية السياحة الفلسطينية وترويجها بالتاريخ الفلسطيني الممتد وارتباطه بأديان عديدة، من خلال المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمسجد الإبراهيمي وكنيستَي المهد والقيامة، وحتى قصر هشام بن عبد الملك وخان العمدان وضريح الباب وحدائق البهائيين، ليذهب إلى ربطها بمحال «الآيس كريم» والكنافة النابلسية، ما يعدّ تسويقاً فاشلاً للسياحة في زمن طغت فيه العولمة
وعبور الحدود.
وبعد، يأتي السؤال حول كيف تتعامل السلطة مع ما تطرحه الخطة الاميركية الاسرائيلية؟ يأتي الجواب على لسان الرئيس الفلسطيني في تصريح له سبق ورشة المنامة بأسابيع جاء فيه “من يريد حل القضية الفلسطينية عليه أن يبدأ بالقضية السياسية، وليس بيع أوهام المليارات التي لا نعلّق عليها آمالاً ولا نقبلها لأن قضيتنا
سياسية بامتياز”.