هل بالإمكان اختراع الماضي ؟

آراء 2019/07/21
...


 ياسر جاسم قاسم 
 
انطلق في هذا المقال من قول لهوبزبوم في محاضرة ألقاها سنة 1993 في جامعة “اوروبا الوسطى” في بودابست تحت عنوان “ التهديد الجديد للتاريخ” يقول” اذا لم يكن هنالك ماض مناسب فان بالامكان دائما اختراعه” هذا وهو يقصد به تاريخ دول او قوميات واثنيات وطوائف او ماشابه، لذلك تحاول بعض الدول التي هي بتمثلاتها الحاضرة جغرافيا وسياسيا
، تعتبر دولا حديثة النشأة وحتى شعوبها التي سكنتها لا يتعدى تاريخها بضع مئات من السنين تحاول ان تخترع ماض لها من حضارة قدرها على سبيل المثال خمسة الاف سنة
، متشبثة بكل شاردة وواردة لادعاءاتها
هذه، وهنا على سبيل المثال نسمع او نقرأ بين الحين والاخر عن كشوفات تاريخية ولقى اثرية في منطقة الخليج العربي خصوصا دولة الامارات العربية تعود هذه الكشوفات بتاريخها لخمسة الاف او اربعة الاف سنة مضت يقولون عنها انها تمثل
الانسان “الامارات القديم” وهذا كلام غير منطقي تماما فالانسان الذي يسكن الامارات اليوم ليست له اية علاقة لا من قريب ولا بعيد مع اولئك الاقوام التي سكنت الارض قبل
خمسة الاف سنة، فقد تكون تلك الاقوام قد مرت من هناك او سكنت ثم هاجرت او ابيدت او انهم كانوا يتبعون حضارات مجاورة لمناطقهم حتى ان العرب / اسلاف الاماراتيين الحاليين لم يسكنوا المنطقة قبل اربعة الاف سنة كما يشير الى ذلك طه باقر ناهيك عن ان تكون هنالك لقى تميز بها الانسان الاماراتي القديم
، حتى ان كلمة الامارات مثلا عمرها اقل من مئة عام فكيف تنسب حضارة عمرها اربعة الاف سنة او اقل واناس الدولة التي تدعي هذا الانتساب لم يتعد وجودهم التاريخي الف عام ونيف من السنين، وهنا يسوق هوبزبوم مدعما قوله الذي ذكرناه فيما سبق أن رأى كتابا بعنوان (خمسة الاف عام من عمر باكستان) ويقصد 
مؤلفوه الحديث عن حضارة “وادي اندوس” التي يقول عنها هوبزبوم انها لا تنتمي لا من قريب ولا من بعيد لمن يسكن باسكتان اليوم واسم باكستان حتى انه لم يكن مطروقا الا من قبل طلاب عام 1932-1933 واستقلال الدولة عام 
1947 . 
هكذا تصنع بعض الدول او الطوائف التي ليس لها تاريخ معين او بعض القوميات او حتى بعض السياسيين او بعض العوائل بالتالي يشتغل البعض على هذا التزوير او الاختراع للماضي كما اسماه هوبزبوم فقط لكي يثبتوا وجودا تاريخيا مضللا يدعم انتهازيتهم ووصوليتهم، من هنا ممكن ان يكون التاريخ وتزويراته مرعبة مجتمعيا وثقافيا
، يقول هوبزبوم “ كنت اظن ان مهنة
التاريخ بخلاف الفيزياء النووية، مثلا :على اقل تعديل لا تستطيع ان تتسبب باذى، الان اعرف انها قادرة على ذلك، فان دراساتنا يمكن ان تتحول الى
معامل لانتاج القنابل على غرار الورشات التي تعلم بعض الجيوش تحويل السماد الكيمياوي الى مادة متفجرة” وهكمذا فان تزوير التاريخ ممكن ان يوصل الاذى الى كل مفاصل المجتمعات
، وهكذا يعمل المستبدون والدكتاتوريون باختراع ماض موهوم لهم يفصلوه على مزاجهم وافكارهم ويدعمونه بشتى انواع الاحاديث والحيل، كما يفعل بعض سياسيي الصدفة اليوم بان يغطوا 
على اعمالهم السيئة وفسادهم الذي ازكم الانوف باختراع ماض موهوم  محاط بهالات قدسية كاذبة، ويبقى امر لم يتطرق له هوبزبوم، وهو ان من يخترع ماضيا له ستكشفه البشرية عاجلا ام اجلا، فعليه الا يفرح به كثيرا
، وهذه رسالة الى مزوري التاريخ على اختلاف مسمياتهم وألقابهم سواء اكانوا يتلفعون بألقاب دينية ام سياسية ام ما شابه، اما من يصنع التاريخ فهو الذي يقدم حاضرا تعتز به اجيال المستقبل وهذا هو الفرق الاكبر بين أن : تصنع تاريخا او تخترع 
ماضيا !