عبد الحليم الرهيمي
تتعدد الآراء والمواقف وتختلف لدى الرأي العام الشعبي العراقي والنخب السياسية والفكرية حول حدث 14 تموز 1958 ابتداءً من الخلاف حول تسميته وتوصيفه فيما اذا كان مجرد انقلاب عسكري اطاح بسلطة مدنية واستبدلها بسلطة عسكرية جديدة أم انه ثورة قامت بها قيادات عسكرية بالتعاون والتنسيق مع احزاب سياسية كانت معارضة للنظام الملكي
وشكلت (جبهة الاتحاد الوطني) عام 1957 التي نسقت قيادتها مع الجيش وأشتركت معه بعد ذلك في تشكيل حكومة جديدة بديلة والامساك بعدد من مؤسسات الدولة والتي اطلق مؤيدو هذا الحدث من قيادات الجيش والقوى السياسية المتحالفة معها صفة (ثورة الجيش والشعب) حلاً لأشكال تعدد وجهات النظر حول هذا الحدث المهم المفصلي في تاريخ العراق.
ولم يتوقف الخلاف عند توصيف الحدث بالتوصيفين المذكورين اللذين ينتميان الى معسكر واحد ، انما اطلقت جهة ثالثة على الحدث بأنه حدث مدمر للعراق ويذهب لنسبة حصوله الى دور اميركي لأزالة النفوذ البريطاني الذي اسهم بتأسيس الدولة العراقية الحديثة العام 1921 واستمر هذا الدور حتى 14 تموز 1958 .
واكثر من ذلك فقد اطلق مؤخراً توصيفاً يقول ، لم يكن (الخراب الذي لحق بالعراق طيلة العقود الستة المنصرمة فقط ، انما ايضاً هو ان ما نشهده الان من مشاكل وازمات سياسية واجتماعية وثقافية وحتى اخلاقية انما تعود لذلك الحدث .
والواقع ان هذه التوصيفات والتقييمات والاراء والمواقف التي تعبر عنها لم يتوقف اطلاقها او التمسك بها طيلة العقود الستة الماضية ، دون ان تتبدل او تتطور قليلاً عن الحالة النمطية التي اعتادت عليها باستثناء بعض الحالات الفردية او شرائح محدودة حرصت على أجراء مراجعة برؤيتها المتأخرة عن الحدث تختلف عن رؤاها السابقة ولو من جوانب محددة .
لا ريب ان تعدد واختلاف الاراء والمواقف على حدث مهم مثل 14 تموز 1958 هي مسألة طبيعية ومشروعة ولا يمكن تحقيق اجماع او شبه اجماع حولها سواء لدى النخب السياسية والفكرية او لدى الرأي العام الشعبي ، والتي ربما تكون مفيدة حتى لا يسود رأي واحد او اكثر بما يغطي على ما يحمله حتماً من أخطاء ، وكذلك حتى لا يغمط الصواب في الرأي المخالف للآراء الاخرى ، كما تكون المحصلة هي فهم ووعي اكبر للحدث ، ذلك لأن تحديد الاراء والمواقف كثيراً ما تقع تحت ضجيج الكثير من الشعارات والانفعالات اللاموضوعية في أحيان كثيرة مما يخلق حالة التشوش في التقييم الاكثر صحة وصواباً للحدث .. ومن هنا تأتي اهمية الدعوة لاعادة قراءة واعادة فهم موضوعي لحدث 14 تموز سواء كان انقلاباً عسكرياً او ثورة الجيش والشعب او نتيجة تآمر خارجي ، وذلك بهدف استخلاص العبر والدروس لامتلاك القدرة على فهم وتقييم اي حدث سياسي – اجتماعي مهم حتى لا يحتمل الكثير من الاخطاء وما يترتب عليها من نتائج ضارة وسلبية .
لذلك فأن اول توجه للمراجعة واعادة القراءة للحدث هي اعادة تقييم صحة تقديرات الاحزاب السياسية المعارضة وقيادة (الضباط الاحرار) فيما اذا كانت الاخطاء والسياسات التي كانت تتبعها حكومات العهد الملكي تستوجب الاطاحة بنظامه السياسي وتغافل انجازاته في بناء الدولة الحديثة وعلى مختلف الصعد، او تغافل احد اهم انجازاته في السنوات الاخيرة وهو تأسيس مجلس الاعمار عام
1955 .
كذلك فأن التوجه الثاني لاعادة القراءة والمراجعة ، يتجلى في نقد وتقييم موضوعي لتجربة الانقلاب – الثورة في تحقيق البديل الافضل عن النظام الملكي في البناء والاعمار والازدهار رغم اهمية الكثير من الانجازات التي تحققت خلال السنوات الاربع على صعيد الاعمار والتقدم الاجتماعي والثقافي وخطأ حصرها بشخص عبد الكريم قاسم وتمجيده بمبالغة مفرطة وغير موضوعية ، وعدم اقدام السلطة الجديدة على ايجاد حياة برلمانية وسياسة داخلية وخارجية متوازنة ، وغير ذلك من السياسات ان هذه الاشارات السريعة لاعادة قراءة حدث 14 تموز هي مجرد عناوين ينبغي التوقف عندها لفهم ووعي اكبر واكثر وضوحاً لهذا الحدث المفصلي في تاريخ
العراق .