د. حسين القاصد
هكذا هي مذ خلقت، فهي أم الدنيا وحاضرة العالم، وكلما أريد لها أن ينطفئ نورها، صار أبناؤها مصابيح وشموسا تضيء ليلها ونهارها ؛ وعنوان هذا المقال ليس شعارا حزبيا، ولا هو بالإعلان الجديد عن قيمة بغداد ومكانتها، إنما هو تذكير له
دوافعه.
كل العراقيين ينتظرون أي فرح يرتبط ببغداد واسمها، وكلهم يتمنون عدم تشابه ايامهم ؛ لأن “ من تشابه يوماه مغبون “، كما أن الانتظار فيه شيء من الحياة النابضة، وفيه من الأمل الذي ينعش النفوس ويمنحها قدرة التواصل وتحمل أعباء اليوم، اكراما للغد المرجو المرتقب .
فرح العراقيون بشكل خاص، والعرب والعالم بشكل عام، بادراج بابل ضمن لائحة التراث العالمي، مع أن بابل عاصمة هذا التراث ومهد طفولته وملعب صباه ؛ وقبلها فرحنا أيضا بإدراج اهوار العراق ضمن اللائحة ذاتها ؛ ومازلنا نتوسل خيوط الفرح لكي نتسلق الى ضوء صبح جديد ؛ كأن تتصدر جامعاتنا في مجال ما، فنقول للعالم نحن هنا، ونؤكد أن بغدادنا بخير .
بغداد ليست اسما لعاصمة العراق فحسب، إنما هي مدينة أطلت على العالم بنورها وعلمها وإرثها العظيم، وهي قبلة العلم والعلماء والأدب والفكر لوقت ليس بالقصير، ولحقبة زمنية ليس للتاريخ أن يغض صفحاته عن اشعاعها ونورها وألقها ؛ لكن كيف فرح العرب ببغداد، وما علاقة عنوان المقال بالعرب وفرحتهم؛ هذا ما ينتظره القارئ الكريم وهو يسير مع هذه السطور باتجاه غاية المقال، أو بحثا عن فرحة العرب ببغداد، لعله يفرح
مثلهم!!.
جرت قبل أيام بطولة كأس افريقيا لكرة القدم، وقد وصل الفريق الجزائري إلى المباراة النهائية، وضجت صفحات التواصل الاجتماعي بالتشجيع والهتاف لبغداد!!؛ وأنا منذ زمن ليس بالقصير لم أتابع كرة القدم، لأن ما هو أهم من تلك اللعبة مازال محنطا ينتظر أن تمد له يده الانعاش وتسعفه وتعيده صالحا للحياة ؛ وأعني بهذا الأهم، توفير الخدمات من كهرباء وماء وطرق صالحة للسير وتعليم يعيد العراق إلى الواجهة ومستشفيات لا تدفعنا للتفكير في العلاج خارج البلاد، وأشياء كثيرة مازالت مؤجلة ؛ لذلك ذهلت مما رأيته من تشجيع لبغداد في مباراة نهائي كأس أفريقيا لكرة القدم؛ لكني لم انتظر طويلا حتى جاء هدف الجزائر الذي توجها بطلا لكأس افريقيا؛ حيث عاد جمهور التواصل الاجتماعي للهتاف، لكن ليس للجزائر ؛ بل كان هتافهم (منصورة يا بغداد)، فتبين أن اللاعب الجزائري اسمه بغداد، والعراقيون من توقهم للفرح تشبثوا باسم عاصمتهم الذي تسمى به اللاعب الجزائري، فصفقوا للجزائر وبغدادها.
نعم، صفقنا لهدف بغداد الجزائري، ولكننا ننتظر أهداف بغدادنا الحبيبة، كي تعود إلى صدارة العالم كما هو اسمها.