{سناين» العشيرة و{إحم» الدولة

آراء 2019/07/22
...

حمزة مصطفى
 ليس أمام كل من يحاول الكتابة عن ثنائية الدولة والعشيرة في العراق من عام 1921 وحتى اليوم سوى أن يضع يده على قلبه لأنه يمشي وسط حقل الغام. وفي حال أراد تخطي حقل الألغام هذا فإنه سيبدأ المقال أو الدراسة أو البحث أو حتى التغريدة مثلما ينهيه مجرد “تصفيط حجي” لا طعم له ولا لون ولا رائحة. ينطبق هذا على كل الكتاب والباحثين والمفكرين والمؤرخين.
من الذين مشوا في حقل الألغام حنا بطاطو في كتابه المهم “العراق” بأجزائه الثلاثة وعالم الاجتماع علي الوردي في سلسلة دراساته سواء اللمحات أو غيرها من تلك التي غاصت في هذه الثنائية. بلا شك هناك دراسات أخرى عديدة لكنها قد تكون ناقشت الأمر من زوايا أخرى وإن تدخل في صلب مفهوم الدولة وكيفية تعاملها مع المجتمع بأطيافه المختلفة لكننا لانريد التطرق الى أسماء من دون غيرها بسبب الخلافات حول العديد من تلك الدراسات والبحوث لهذا السبب أو ذاك. لكن يكاد يكون هناك إجماع بشأن ما خلفه بطاطو والوردي من دراسات رائدة تناولت هذه الثنائية بطريقة متفردة حقا.
حين تشكلت الدولة العراقية الحديثة عام 1921 كانت الرؤية البريطانية هي التي تحكمت في مسارات تشكيلها الى الحد الذي لعبت فيه المس بيل أخطر الأدوار وأهمها على كل الأصعدة بمن في ذلك صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع والتي تحولت في ما بعد الى الدستور العراقي الذي يكاد يكون خضع الى أربع مراحل أو حقب وهي الملكية ومن ثم الجمهورية على عهد قاسم حيث تمت صياغة أول دستور جمهوري والثالثة جمهورية البعث التي أطلق عليها كنعان مكية “جمهورية الخوف” قبل أن يجمع أوراقه ويعتذر في “الفتنة”, والرابعة هي الدستور الحالي الذي تم التصويت عليه عام 2005 بعراضات عشائرية هي الأولى من نوعها في دساتير العالم.
إذن العراضة العشائرية لا القناعة بقيم  الدولة المدنية هي التي تغلبت في النهاية حتى على صعيد تمشية الدستور عند التصويت عليه عام 2005. وإذا كانت “السواني” أو “السناين” العشائرية تحكم المجتمع العراقي قبل تأسيس الدولة فإنها بقيت تتحكم في جسم الدولة لكن  صعودا وهبوطا حسب طبيعة الأنظمة وقوة الدولة. ففي حال كانت الدولة قوية فإن النظام العام هو الذي يسود ويصبح الإحتكام الى القانون هو الفيصل. يضاف الى ذلك طبيعة الصلة بين الريف والمدينة. فقبل بدء عملية ترييف المدينة منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي صعودا كانت غالبية القضايا التي تتعلق بالعرف العشائري تقتصر على القرى والأرياف بينما كان القانون هو الفيصل في حسم القضايا الخلافية داخل المدن.
الآن وبرغم وجود دستور دائم لدينا ويكاد كل مواطن عراقي لكثرة ما يجري تداول  الحديث عن الدستور يصبح فقيها دستوريا فإن أكثر مرحلة أو حقبة تراجع فيها مستوى الالتزام بالدستور والقانون العام هي المرحلة الراهنة. فـ”الدكة” العشائرية انتشرت الى حد أضطر القضاء الى التعامل معها بوصفها إرهابا. الفصل العشائري بات بديلا عن القانون ليس بين مواطنين بسطاء “بنجرجية أو سواق تاكسيات أو بائعي خضراوات أو قصابين” ليس لديهم وقت للتقاضي أمام المحاكم بل صار سمة الصلح بين الوزراء والنواب والمحافظين وكبار ضباط  الجيش والشرطة.
إذاً أين الدستور؟ لقد انتهى عند أول عراضة عشائرية لحظة التصويت عليه. الذي بقي هو “الإحم” فقط.