السياسة بين الحرب واللاحرب !

آراء 2019/07/23
...

علي حسن الفواز
 
من الصعب تغييب احتمالات الخطر عن المنطقة، أو وضع خيارات الحرب خارج التأثير العام على دولها، وعلى الامن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فما يجري من تصعيد للصراع امريكيا وبريطانيا وايرانيا هو تأطير لسياسات ندّية تّعبّر عن الكبرياء القومي من جانب، وعن الحسابات والمصالح من جانب آخر.
 
احتجاز ناقلة النفط الايرانية في منطقة جبل طارق من قبل القوات البريطانية، والاحتجاز المقابل للايرانيين لناقلة النفط البريطانية في مياه الخليج ليس بعيدا عن أفق سياسة الصراع الذي تؤججه الولايات المتحدة، وتصطنع له سيناريوهات متعددة، لكي تضع الجميع ضمن مدى البركان، اوربما لكي تخلط الاوراق على الخائفين من دول المنطقة، والذين سينجرّون الى الخيار الامريكي حتما، والى التماهي مع لعبة العسكرة التي يعتقد الامريكيون بأنها فرصة للسيطرة، وللابتزاز، وللتأثير في مسار السياسة، وللحد من التأثير الايراني في المنطقة.
هذه الرهانات قد لاتكون واقعية بالكامل، لأنها ستكون مصدر تهديد للجميع، وللتأثير عن الطابع النفطي والاستثماري الكبير الذي تعيش على مردوداته أغلب دول المنطقة، فضلا عن كونه ذا تأثير ستراتيجي على دول كبرى مثل الصين وروسيا، والتي باتت تجد في هذه العسكرة الامريكية وكأنها تورية للتأثير في علاقة تلك الدول بمنطقة الخليج، وبطبيعة التوازن السياسي الذي تسعى الولايات المتحدة للاخلال به، ولقطع التوجهات على اعادة انتاج فكرة(طريق الحرير) بصيغته السياسية أو التجارية أو الثقافية.
 
الحرب .. اللاحرب
قد يكون خيار الحرب ليس بصالح الجميع، وهذا مايجعل احتمال النزوع اليها بعيدا، لأنها ستكون لعبة ماكرة بطرد الاستثمارات، وهروب الرساميل الكبرى، مثلما ستحرم الولايات المتحدة ذاتها من مردودات أسواق السلاح التي انتعشت دكاكينها في المنطقة.
الاتهام الروسي للولايات المتحدة بعسكرة المنطقة هو رصد لتداعيات خطورة مايجري، ولامكانية أن تجدها روسيا ذريعة للدخول في المنطقة، من خلال توسيع تواجدها في سوريا، أو ربما القيام بخطوة تنسيقية مع ايران لغرض ايجاد تحالف ضدي، لاسيما أن شراء تركيا منظومة اس اس 400 الروسية قد شكّل صدمة كبيرة، للناتو ولامريكا، على مستوى السيطرة على سوق السلاح، أو على مستوى احداث تغيير في قواعد الاشتباك وفي هوية الاسلحة 
للحلفاء. اللاحرب رهانٌ يقوم على المناورة، وعلى الخداع، وعلى ابقاء منسوب عال من التوتر في المنطقة، وكذلك الابقاء على تداولية حادة للغة التهديد العسكري، وتحت يافطة حماية الحلفاء، وعدم تغيير المعادلات العسكرية فيها، ولعل وصول قوات عسكرية امريكية خاصة الى قاعدة الامير سلطان في السعودية، ونشر اسلحة نوعية يؤكد هذا المسار، على مستوى التعبير عن الجاهزية الامريكية، وعن تضخيم خوف الحلفاء، لاسيما السعودية من تداعيات الوضع في اليمن بعد انسحاب القوات الاماراتية، وعدم احراز اي تقدم حقيقي في الصراع الدائر هناك منذ خمس سنوات.
بين الحرب واللاحرب ستكون السياسة حاضرة، لكنها سياسة خشنة وليست سياسة ناعمة، مع التلويح الخجول بالدبلوماسية احيانا، وهي ممارسة يحذر البعض من القناعة بمصاديقها، فالولايات المتحدة لا تقتنع بلعبة الحصص المتساوية، والاوربيون يجدون حراجة في التمرد على الموقف الامريكي، والايرانيون يتصرفون بثقة من يملك قوة غامضة، وبمعرفة من لا يثق بعهود الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق النووي الذي وقعت عليه، ومن دون 
مبرر.
هذه المفارقات هي التي تجعل الحرب خيارا صعبا ومعقدا ومُكلفا، وتجعل اللاحرب خيارا لايقل صعوبة، لأنها تعني البقاء داخل منطقة الحُمّى، والخوف من الانتكاسات التي قد يتعرض لها المسار الحذر والقلق، وهو مايعني اللجوء المخاتل الى مجلس الامن لوضع معالجات عاقلة، وللتخفيف من غلواء الاحتقان، ومن السياسات التي لا رهان حقيقياً عليها، ولكي يخرج الجميع بأنصاف حلول مقبولة، بعيدا عن فيتو هذا الطرف أو ذاك
، ومعالجة مشكلات المنطقة وفق القانون الدولي، بما فيه الاتفاق النووي بين ايران ودول5+1، فضلا عن الملفات العالقة على مستوى الملف الصاروخي الايراني
، أو ماتدعيه الولايات المتحدة من سياسة التدخل الايراني في المنطقة، وهي اتهامات ضبابية وعمومية ولا اساس مادي 
لها.