يهود تلموديون يعلنون فلسطينيتهم ويدعون لإنهاء اسرائيل

آراء 2019/07/23
...

د. قيس العزاوي  
كثرت في الاونة الاخيرة عمليات تبادل صور ومعلومات وفيديوهات عن حاخامات يهود أصوليون بضفائرهم وقبعاتهم السوداء يرفعون شعار “فلسطين حرة “ويعلنون محاربتهم للصهيونية ولدولة اسرائيل ..انها ظاهرة احتلت مساحة اعلامية واسعة قبل استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ببضع سنوات وبعد غيابه. وكان المرحوم يرعى هؤلاء. 
 
     يبدو ان هذه الظاهرة تعود اليوم لتطرح نفسها من جديد في الفضاء الاعلامي العربي والغربي . واعتقد بان الكتابة عنها تسهم في تنوير الرأي العام العربي بضرورة التفريق ما بين الصهيونيين الذين هاجروا الى فلسطين واقاموا اسرائيل على الارض الفلسطينية وما بين يهود يعتبرون الصهيونية معادية لتطلعاتهم الدينية في العيش المشترك مع الفلسطينيين اصحاب 
الارض .
     وقد زادني فضولاً ان وصل عام 2000 الى مكتبتي”الالفباء” بالحي اللاتيني بباريس بعض النسخ من كتاب صدر وقتذاك باللغة الفرنسية بعنوان” يهود يقاومون الصهيونية” عن جمعية”لا بيير واوليفيه” ،وهي الجمعية التي سبق ان نشرت كتاب”المانفيست اليهودي النازي لارييل شارون” وبعد الاطلاع عليه وضعت نسخ منه في واجهة مكتبتي كي يراه المارة، وعلى مقربة من المكتبة يوجد احد اكبر كنيس اي معبد يهودي في باريس الامر الذي فتح علي مشاكل لا نهاية لها. 
    وبفضول الصحفي والباحث أردت التعرف على نشاط وافكار هذه الفرقة اليهودية الغريبة عن قرب . وكانت المناسبة هي زيارة وفد منهم الى باريس في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 2004 قابلتهم في صالة مسرح لاما دور(اليد الذهبية) وبحضور الكوميدي الفرنسي المعادي للصهيونية  ديو دونيه.. وهكذا اتيحت لي فرصة محاورة بعض حاخاماتهم وتعرفت عن قرب على افكارهم ونشاطاتهم المجهولة في حياتنا السياسية العربية . ومن ابرز ما لاحظت كان التالي:
    أولاً : يلقب هؤلاء الحاخامات الاوصوليون(الارذودكس) انفسهم بـ “ حراس المدينة” وبالعبرية “ناطوري كارتا” ويعتبرون ان الصهيونية فكرة اوروبية وعقيدة علمانية سياسية هدفها تحريف الدين اليهودي ، وانها ظاهرة غريبة عن واقعهم الديني والاجتماعي. 
    ثانياً : انهم يعتقدون ان الله منع قيام دولة اسرائيل لذا فهي اليوم خارجة عن الدين اليهودي وهم يسعون الى تفكيكها وتسليم الارض الى اصحابها الفلسطينيين، لأن التوراة امرتهم بالعيش المشترك مع الفلسطينيين وان قيام دولة اسرائيل مخالف للتعاليم التوراتية، وهم يرفضون العيش تحت “نير الاستعمار الصهيوني “ كما يطلقون عليه .
    ثالثاً : كان هؤلاء اكثر من عمل ضد الصهيونية منذ اليوم الاول لظهورها عام 1897. وهم يقولون إن اليهودية دين عريق يعود الى النبي ابراهيم ويوسف واسحق اما الصهيونية فهي ايديولوجية اوروبية عمرها مائة عام تقريباً اخترعها هرتزل واصدقاؤه وكلهم علمانيون استخدموا التوراة والانجيل لاهدافهم الاستعمارية. إن الصهاينة الملحدين قاموا بسرقة الارض الفلسطينية واجبروا الشعب الفلسطيني بقوة السلاح على النزوح من ارضه .  ولا وجود تلمودي لما يسمى”بدولة” إسرائيل. انه الكفر بقوانين الله واعتداء اجرامي.
   رابعاً :  يعتبر حراس المدينة انفسهم اقرب للفلسطينيين من الصهيونيين وبناء عليه نجدهم اول من تضامن مع السلطة الفلسطينية ، واول من آمن بقيادة المرحوم ياسر عرفات ، واخصلوا له حيا وميتا.. ويذكر الحاخام موشيه هيرش بأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هو القائد الشرعي والقانوني لدولة فلسطين التي يودون العيش 
فيها.
     خامساً: يؤكد “حراس المدينة على حقيقة ان اليهود عاشوا قروناً في فلسطين وفي الدول الاسلامية بانسجام ومودة ويسجل التاريخ ان اليهود عندما كانوا يضطهدون في الغرب وبخاصة من محاكم التفتيش الاسبانية يلجأون للعرب ولضيافتهم.. ولكن ما ان بدأت الصهيونية عملها الاستعماري في القرن العشرين حتى اصبح العرب باغلبهم لا يفرقون ما بين الصهيونية واليهود من جراء الاعمال الاجرامية
 للصهيونيين. 
     سادساً : يرى”حراس المدينة” أن السلام في فلسطين لن يتحقق بحل الدولتين لذلك كانوا ضد اتفاقيات اوسلو التي وقعها عرفات عام 1993، فهم لا يخالفون ما تقوله التوراة وتقوله اليهودية غير المحرفة التي تنصحهم بالعيش المشترك في دولة واحدة هي فلسطين، لذا فهم يطالبون باعادة الارض لاصحابها الفلسطينيين ، ويضيف الحاخام هيرش “ لابد ان نطلب من الفلسطينيين العفو على ما سببناه لهم من آلام ونقول لهم : هذه ارضكم واختاروا ما تشاؤون ونطلب منكم بكل ادب ومودة ان توافقوا على ان نعيش بين ظهرانيكم كمواطنين بسلام 
واحترام .
    تلك افكار فرقة اصولية يهودية تعد بالالاف وقد اغفلهم الاعلام الغربي والعربي الا ما ندر.. والى جانب هؤلاء هناك عدد كبير من اليهود غير الصهاينة والعلمانيين منهم: امثال ليون تولستوي وسيجموند فرويد والبرت انشتاين ومردخاي ويبرمان وحناح ارنست وعمانوئيل ليفين.. ولا ننسى من حارب بالكلمة مع الفلسطينيين من امثال الان غريش ودومنيك فيدال وسيرج حليمي واريك رولو والصحافي والكاتب ايلان هاليفي عضو منظمة التحرير الفلسطينية والممثل الرسمي لها في اوروبا ونائب وزير الخارجية في الحكومة الفلسطينية الذي كان يقول عن نفسه: “أنا 100 بالمئة يهودي و100 بالمئة 
عربي”..