تتزايد حدة حرب العقوبات والناقلات والدرونات بين أميركا وإيران، وستزداد حدّةً لأن صنّاع القرار في طهران يعتبرون الوضع الراهن المتوتّر لصالحهم فيما صنّاع القرار الأميركي يمارسون الصبر الستراتيجي وهم مرتاحون بستراتيجية التطويق والخناق الاقتصادي لطهران. والقيادة الايرانية تعتبر ان إطالة الوضع الراهن في مصلحتها لأن التراجع بات مكلفاً، ولذلك تنوي التصعيد، بمعنى استهداف القاعدتين الأميركيتين في البحرين وقطر في حال أطلقت واشنطن الرصاصة الأولى. إدارة ترامب أيضاً ستصعّد نوعياً عبر تشديد كبير للعقوبات على إيران وأذرعها، تحتاج واشنطن الى ما يقرب من أسبوع قبل أن تصل مرتبة الجهوزية الكاملة لحرب شاملة، لكن قدرتها الحالية كافية لجهوزية ضربات عسكرية، وإيران تتأهب بقواتها وقدراتها وكذلك عبر القوات غير النظامية التي أنشأتها مثل “حزب الله” في لبنان و”الحشد الشعبي”
في العراق.
الخطوة التالية في العقوبات النوعية التي ينوي ترامب فرضها ستزيد القيادة الإيرانية جنوناً لدرجة اما التهوّر أكثر واتخاذ قرار الانتحار، أو تقودها الحكمة الى التراجع فتجمع أوراقها المتناثرة وتتراجع عن مواقفها تلك الخطوة ستكون عبارة عن حصار بحري وإجراءات عزل تمنع جميع الدول من التعاطي مع إيران وأذرعها، سيدفع هذا التصعيد الأميركي القيادة الإيرانية الى الاختيار بين التنازل وبين الانتحار.تمددت إيران في العالم العربي، فقد استثمرت في ساحات كثيرة، مما جعلها في موقع اقوى بكثير من كل الذين يهددونها اليوم، وفي كل الأحوال تبدو إيران في وضع اقوى، اذ انها قادرة على الرد عبر الخليج العربي، ومضيق هرمز، وعبر العراق وسوريا ولبنان واليمن، وقادرة على الرد عبر البحر الأحمر، وباب المندب، هذا فوق الشبكات الأمنية السرية في دول عربية، وفي عواصم افريقية، وفي أوروبا وأميركا، ثم فوق كل هذا عبر غزة، وعلينا ان نعترف هنا، ان واشنطن اجبن من ان ترد، وإسرائيل مذعورة، كونها تدرك انها ليست امام طرف مركزي واحد يمكن تصفيته والانتهاء منه، بل امام نظرية جديدة، قائمة على صناعة اكثر من سبع ساحات مركزية وبديلة مؤهلة للرد في حال تعرضت إيران لضرر وما يمكن قوله ، ان الأدلة كثيرة، على ان الملف الإيراني، ليس سهلا، ويشكل اكثر من صداع للولايات المتحدة، ويبدو واضحا ان الإيرانيين، الذين صنعوا اكثر من إيران واحدة، في مناطق عدة، استعدوا جيدا لهذا التوقيت، بما يجعلنا امام مشهد يتجاوز الاثارة التقليدية، إلى تحد كبير، ويختلف عن كل التجارب
السابقة. مؤخرا قررت إيران تحدي واشنطن وحلفائها معتمدة تكتيك التعرض الخشن وهي تدفع بالأمور إلى حافة الهاوية، وهي لعبة أتقنتها طهران، ويمكن القول إن هذا التكتيك إيراني، يستهدف تخفيف الضغوط وتعظيم المكاسب، تستطيع واشنطن تكرار الاتهامات لطهران بزعزعة أمن المنطقة واستقرارها وتستطيع بريطانيا أن تظهر بثوب الضحية التي تعرضت لاعتداء غادر، لكن لإيران أسباب عديدة لاعتماد تكتيك التعرض الخشن، فواشنطن لم تبق لها من خيار سوى الموت اختناقاً بالعقوبات الاقتصادية، وبريطانيا تطوعت لاحتجاز الناقلة الإيرانية في جبل طارق، وهي البادئ في التحرش بإيران والاعتداء عليها، ومسعى واشنطن المدعوم بريطانياً لتدويل أمن الملاحقة في الخليج والمضيق، وبهدف تجريد إيران من واحدة من أهم أوراقها، قبل التوصل
لاتفاق معها.
بين الدخول في حرب يكتوي بنيرانها خصوم إيران وأصدقاؤها والإيرانيون أنفسهم، وبين الموت جوعاً واختناقاً بالحصار والعقوبات، ستفضل طهران خيار شمشون، ومن يظن أن طهران سترفع الراية البيضاء، فهو مخطئ تماماً، فثمة قوى إقليمية صاعدة، تبدو مصممة على احترام سيادتها وحفظ مصالحها بصرف النظر عن أساليبها وسياساتها المثيرة للجدل والخلاف وقد يكون اللجوء إلى تكتيك التعرض الخشن إيرانياً، وتشديد العقوبات على إيران أمريكياً، هو مسعى جاد من الطرفين، لإنضاج شروط الوساطة.وإذ نفذ الحرس الثوري تهديداته، محتجزاً ناقلة بريطانية. تبرز بعض الأسئلة حول انعكاساته على المشهد في المنطقة، وعلى ملف الوساطة الفرنسية، فضلاً عن الموقف الأوروبي برمّته. ومصير التحالف الأمني الأميركي في المياه الإقليمية وقدرته على تغيير المعادلة الأمنية في الخليج، اما سياسيا فسيكون للحدث تداعيات في اتجاهين الأول، تموضع بريطانيا في الاصطفافات الدولية، وإذا ما كانت ستقترب أكثر من سياسة التصعيد ضد طهران، أم ستختار حل الأزمة بصفقة تبادل للسفينتين، أما إذا أخذ الموقف البريطاني منحى التصعيد، فسيكون لذلك تأثير مباشر في الحوار الأوروبي مع الإيرانيين ومبادرة الرئيس الفرنسي، ما يعني وفق هذا السيناريو مشهداً أكثر تصعيداً إذا ما انتقل الخطاب الأوروبي من الوسط إلى الحياد أو المواجهة مع إيران.
ورغم خوفها من الحرب، ومن نتائجها الكارثية لا تزال الأطراف الأوروبية تتواطأ مع الأهداف الأميركية على التصعيد الراهن ضد إيران، مع علمها بأن الأخيرة لن تتراجع عما تعتبره قوة الردع الرئيسة التي بحوزتها. لكنها غير مستعدة لتنازلات فعلية بالنسبة إلى البرنامج الباليستي.
وقد يكون افتعال الاشتباك مع إيران غداً، وتوريط أطراف أخرى فيه، يستند إلى تهديدها المفترض لهذه الحرية، وليس إلى ذرائع أخرى كما فعلت الولايات المتحدة مع العراق عندما اتهمته بداية بامتلاك أسلحة دمار شامل، ومن ثم عادت وأدرجت حربها عليه في إطار مشروع لدمقرطة الشرق الأوسط.
وبعد، تكاثرت مؤخراً مؤشرات متناقضة حول الوجهة التي ستتخذها المواجهة الأميركية الإيرانية. فالوساطة الفرنسية، ومواقف المسؤولين الأميركيين، وصولاً إلى كلام السفير السعودي في الأمم المتحدة عن ضرورة الحل السياسي للأزمة، جميعها معطيات تعزز الانطباع بإمكانية ترجيح خيار التفاوض. لكن قرار واشنطن بإرسال 500 عسكري إلى السعودية، والسعي المحموم لبناء تحالف لحماية حرية الملاحة في الخليج، وإعلان ترامب إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية، واحتجاز الحرس الثوري سفينة ترفع العلم البريطاني تفيد بأن التصعيد مستمر بين الطرفين، وأن احتمالات وقوع صدام مباشر بينهما تتزايد.